Site icon IMLebanon

“فجاجة” خدام وزجرية المخابرات

 

بغياب عبد الحليم خدام يسدل الستار على آخر شهود مرحلة من تاريخ سوريا وتاريخ العلاقة اللبنانية – السورية، بعد عزلة عاشها في باريس إثر انشقاقه عن نظام بشار الأسد بعيد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري العام 2005. فالرجل كان رمزاً للهيمنة السياسية السورية على لبنان إبان حقبة الراحل حافظ الأسد، وعُرف بتوليه “ملف لبنان” في القيادة السورية مع رئيس الأركان السابق الراحل العماد حكمت الشهابي الذي كان له تأثيره على الأسد الأب، إضافة إلى “حاكم لبنان” اللواء الراحل غازي كنعان الذي أعلنت دمشق انتحاره في 12 تشرين الأول العام 2005 في مكتبه في وزارة الداخلية، بعد 3 أسابيع على استجوابه من قبل لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري، وتقول رواية أخرى إنه قتل لإدلائه بمعلومات عن العملية.

 

الجريمة كانت وراء مغادرة خدام سوريا، إثر تراكم خلافاته مع الأسد الإبن، منذ تسلم الأخير مقاليد الأمور بعد وفاة والده العام 2000، على رغم أن خدام بصفته نائباً للرئيس حافظ الأسد ساهم في الإخراج الذي آلت بموجبه مقاليد الرئاسة إلى بشار. كان الأمر محسوماً لأن الأب هيأ بشار للمنصب، بعد وفاة شقيقه باسل، عبر إيكال تدريبه إلى عدد من الضباط العلويين في أجهزة المخابرات، الفائقي الولاء للعائلة.

 

شكل خدام مع الشهابي ومصطفى طلاس وزير الدفاع (اللذين غادرا سوريا بعد اندلاع الثورة في آذار 2011)، سيبة الحضانة السنية لنظام البعث، التي أبعدت لاحقاً. لكن “أبو جمال” مثّل لثلاثة عقود، كوزير للخارجية ثم نائب للرئيس، الواجهة العربية للنظام في المؤتمرات وقنوات التواصل مع الدول العربية، فكان أحد عناصر الإبقاء على توازن العلاقات السورية العربية، الذي سقط مع بشار بانجراره الكامل نحو أولوية العلاقة مع إيران. في لبنان اشتهر خدام بأنه الأب الروحي للاتفاق الثلاثي لإنهاء الحرب اللبنانية بين كل من نبيه بري، وليد جنبلاط والراحل إيلي حبيقة، والذي أسقطه سمير جعجع لاحقاً، ثم بمشاركته في ترجيح اتفاق الطائف العام 1989. وتولى دور الناظم للسياسة اللبنانية الداخلية حين تعصف بها الخلافات خلال الحرب الأهلية، ثم مع تولي صديقه رفيق الحريري رئاسة الحكومة داعياً إلى تركه “يحلم” بإعمار البلد. ومع أنه كان يتعاطى بفجاجة مع سياسيين لبنانيين، كان يميز بين السلوك الأمني الزجري لضباط المخابرات وبين التعاطي السياسي، لمعرفته بالحساسيات والتوازنات اللبنانية، وكان يدافع عن صديقيه “الشقيين” بري وجنبلاط، في وجه ما سمي الخلية العلوية في النظام. ورغم إزاحته عن ملف لبنان، حاول إقناع بشار بغير خيار التمديد للرئيس إميل لحود، لإدراكه عمق المعارضة الداخلية له.

 

لم يتردد خدام في البوح أمام المحققين الدوليين باغتيال الحريري، بأن العملية لم تكن لتتم بلا معرفة وأمر الرئيس السوري. كان خدام يعرف كم كان بشار يكره الحريري، فأحاط نفسه، قبل توليه الرئاسة، بخصومه من السوريين واللبنانيين. ونصح خدام الحريري في الأشهر الأخيرة بمغادرة لبنان.

 

مع اندلاع الثورة التي راهن عليها من باريس، ردد أكثر من مرة، مثل العماد الشهابي، بأن بشار سيأخذ سوريا إلى التقسيم.