Site icon IMLebanon

اللقاء اليتيم  

 

 

على امتداد إحترافي الصحافة لم أعقد سوى لقاء يتيم مع نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، وكان لجريدة «الجمهورية» التي أصدَرها الرئيس الياس المرّ صيف 1985 فعرفَت نجاحاً صاروخياً، وسقطت بالضربة القاضية في 16 كانون الثاني 1986 بالإنقلاب العسكري الذي نفّذه في حينه رئيس أركان القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ضدّ رئيسها المرحوم إيلي حبيقة.

 

في كانون الأول من ذلك العام أبلَغ إلينا الرئيس ميشال المرّ، أمدّه الله بالصحة والعمر الطويل، بموعدين حُددا لنا، الياس المرّ وأنا، في دمشق. أولهما مع خدّام والثاني مع مثلثّ الرحمات البطريرك هزيم في وقت كان القطاع الغربي من العاصمة بيروت مشتعلاً بمعارك ضارية بين حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي.

 

حطّينا الرحال في فندق شيراتون، عشية اللقاءين. كان الموعد الأول الواحدة ظهراً مع نائب الرئيس والثاني في الثالثة بعد الظهر مع البطريرك. نحو الثانية عشرة والنصف ظهراً، إتصل خدّام معلناً إرجاء موعده إلى الثالثة لاضطراره إلى مواصلة معالجة ما كان يجري في «الغربية».

 

فتوافقت والمرّ على أن نقصد المقرّ البطريركي ونضع هزيم في ما استجدّ، فإذا شاء إستقبلنا فوراً، وإلا التمسنا منه موعداً آخر في اليوم التالي.

 

وقد كان غبطته من اللطف والكياسة والرحابة أنه لم يردّ لنا رغبةً، فكان لنا معه حوارٌ مهم جداً ليس الآن مجال الخوض في تفاصيله فأكتفي بإشارتين:

 

الأولى- قوله «بما أنهم هنا، (في سوريا) يرفعون شعار شعب واحد في بلدين فلماذا يذهبون إلى «الإتفاق الثلاثي» الذي يُجرّد رئيس الجمهورية اللبناني من معظم صلاحياته، ولماذا لا تكون صلاحيات الرئيس أمين الجميل موازية لصلاحيات الرئيس حافظ الأسد؟».

 

والثانية- قوله «وأنا أحدثكم الآن أعرف أن كل كلمة ستصل (ولم يُحدد الى أين)». وأضاف: «يا إبني في كل مكان من هذه القاعة ميكروفون يُسجّل كلامي وينقله، في هذا الكرسي حيث أجلس ميكروفون، في هذه الثريا المتدلاة من السقف ميكروفون، وميكروفون أيضاً في هذا الواقف هنا». وأشار إلى أحد الكهنة الذي لم يفارقنا ثانيةً واحدةً…».

 

كانت الساعة الثالثة إلا ربعاً عندما أنهينا تلك المقابلة الصحافية المهمة جداً التي عقدناها مع غبطته. فاستأذناه وغادرنا إلى مقرّ خدّام الذي استقبلنا على المدخل بالقبلات وقال وهو يطبع قبلة على وجنتي «إبن الـ(…) عم بقول في ميكروفونات؟» فأجبته على الفور متخابثاً: «أكيد ما في». وخلال اللقاء الصحافي الذي كان، بدوره، بالغ الأهمية أخبرنا أنه توصّل إلى عقد هدنة بين الأستاذ نبيه بري ووليد جنبلاط الذي كان قد غادر عائداً الى لبنان.

 

ولم تمرّ سوى دقائق معدودة على قوله هذا حتى اتصل بعضهم بخدّام وقال له: «سقطت الهدنة واشتعلت بيروت مجدداً». فاستشاط غيظاً وطلب من بعض معاونيه الاتصال ببري وجنبلاط لدعوتهما للعودة إلى لقائه. وبعد هنيهات قيل له إن جنبلاط في أحد مطاعم شتوره وسيعود ما إن يلتهم طعامه، فقال بحزم قولوا (…) أن يعود فوراً، وأن يأكل سندويش اللبنة في السيارة».

 

ولهذه الرحلة والمقابلتين الصحافيتين نتائج، بل تداعيات، خصوصاً لحديث غبطة البطريرك، وهو ما لا تتسع له هذه العجالة.