Site icon IMLebanon

بو حبيب و”مقامه المسيحي الممتاز”

 

أرادها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب حرباً مفتوحة، صوَّبَ هجومه على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، متهماً إياه بـ»التعدّي على دوره كوزير خارجية، وبمحاولات متكرّرة لاختصار صلاحيات الوزارة بشخصه، من دون أن يراعي أنّنا في بلد تعدّدي»، ليعلنها صراحة وعلى الهواء، بأنه لا يقبل بتصرفات ميقاتي، «كونه يمسّ بأرفع منصب مسيحي».

 

فمعاليه لا تفور نخوته إلا عندما يتعلق الأمر برئيس الحكومة، ملتزماً بطرح مرجعيته السياسية التي قرر عميدها وصهره الغالي منذ العودة التسونامية إلى ربوع الوطن أنّ «اتفاق الوفاق الوطني» في الطائف سلب رئاسة الجمهورية «المسيحية» صلاحياتها وقدّمها على طبق من ذهب لرئاسة الحكومة «السنية»، وليس الحكومة مجتمعة.

 

ولا يُلام الرجل، فمرجعيته إياها لا تعترف أصلاً بمنصب رئيس الحكومة، تريده حامل أختام فقط لا غير. وللصهر الغالي صولات وجولات تؤكد ذلك، ليس عندما يتعلق الأمر بسياسة لبنان الخارجية فحسب، ولكن فور تسمية رئيس الحكومة وقبل تشكيله حكومته.

 

هذا هو المبدأ المعتمد وفق صفقة «تفاهم مار مخايل»، وفي مواقف الصهر الغالي جبران باسيل، عبرة لمن يريد أن يستفيد من التاريخ القريب، عندما تولى حقيبة وزارة الخارجية وفتك بمبدأ النأي بالنفس وأضرّ بلبنان لجهة علاقاته مع دول الخليج. وبو حبيب لن يشذّ عن القاعدة، مهما كانت السيناريوات المفتعلة عن وجود خلافات بين الخط العوني الباسيلي من جهة والخط الممانع الحزب إلهي من جهة ثانية.

 

ووفق هذه المعادلة القاضية بإخضاع سياسة لبنان الخارجية لمصلحة المحور الإيراني، لم يتوان ولن يتوانى معاليه عن مزيد من الاجتهاد لتقديم أوراق اعتماده في كل مناسبة وعند كل استحقاق، لعل وعسى تنقش معه، كخيار ثالث، ويربح دنياه وآخرته… والطموح ليس عيباً ما دام يحترم الخطوط الحمر ويحافظ عليها برموش العين. وليس أمهر من أتباع المحور الإيراني في تحصيل المكاسب مقابل الالتزام بهذه الخطوط، التي تصب في صميم المرتكزات التي يتم العمل عليها منذ مصادرة السيادة لتغيير طبيعة العلاقات الخارجية اللبنانية.

 

فمثل هذا الموقف من بو حبيب ليس عجيباً ولا غريباً، بالتالي من البديهي تأكيده على «وجود سوء تفاهم في ما خصّ سياسة لبنان الخارجية»، وبما يتناغم والجهود التي أثمرت إنجازات أودت بلبنان إلى عزلته ومقاطعة الدول العربية له. فمعاليه لا يرى إلا استبعاده من اجتماع ميقاتي بالموفد الأميركي آموس هوكشتاين، لأنّ الأخير «لا يحبّ التعاطي مع وزارة الخارجيّة اللبنانيّة»، ويفضل بعث الرسائل إلى «حزب الله» إما عبر رئيس الحكومة، أو عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه الياس أبو صعب.

 

وربما تكمن العلّة في الكيمياء بين الموفد الأميركي وممثل الدبلوماسية اللبنانية، أو ربما لأنّ الدبلوماسية تتناقض أساساً مع مهمة هوكشتاين التي تتجاوز العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة، إلى إجراء صفقة واضحة مع «حزب الله» بشأن تنفيذ القرار 1701، والانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، وترتيب الخلافات المتعلقة بالحدود اللبنانية مع العدو الصهيوني، مقابل منح «الحزب» الذي يتحكم بقرار الحرب والسلم، ومن خلفه مشغله الإيراني، المزيد من الامتيازات التي تتيح للمحور الممانع الاطباق أكثر فأكثر على السيادة اللبنانية وتشريع مصادرتها بتعديل القانون والدستور…

 

لذا لا دور لوزير الخارجية ولا لزوم ليكحِّل الموفد الأميركي عينيه بطلعته البهية. فالمسألة لا تتعلق باستباحة رئيس الحكومة «المقام المسيحي الممتاز»، أو حتى بالمصلحة الوطنية العليا، وانما بالتوجه الأميركي المباشر إلى الحاكم بأمر محوره، وتحميل الرسائل إلى الجهات الأكثر فاعلية لأنّ المطلوب أكل العنب وليس قتل الناطور.