يعكس الانقسام الداخلي الحاد حول الهجوم الروسي على أوكرانيا الخلاف العميق بين اللبنانيين إزاء السياسة الخارجية والخيارات الاستراتيجية، وذلك ترجمةً لافتراق تاريخي حيال مقاربة هوية لبنان وموقعه.
ضمن هذا السياق، يصبح السجال الذي فجّره بيان وزارة الخارجية «المندّد بالاجتياح الروسي لاوكرانيا» مجرد تفصيل في أزمة «تكوينية» ترافق لبنان منذ نشأته.
ومع ذلك، كان لا بد من الاستفسار من وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب عن ملابسات البيان العابر للحدود الجغرافية والديبلوماسية، فماذا كشف في هذا الصدد؟
يقول بوحبيب لـ«الجمهورية» ان «اللبنانيين عانوا من الغزو والاحتلال، وبالتالي كان من الطبيعي ان نتخذ موقفا مبدئيا باستنكار الاجتياح الروسي لأوكرانيا واحتلال هذا البلد». ويضيف: «انه موقف بديهي ينسجم مع اقتناعنا بأنه لا يجوز أن تدخل اي دولة الى دولة أخرى لتحقيق اهدافها، وانا أعارض شن الحروب بحجة الدفاع عن مصالح معينة، وإلا فإننا نعطي ذرائع للآخرين باحتلال بلدنا أيضا تحت شعار حماية الأمن القومي او المصالح الاستراتيجية».
ولدى سؤاله: ولماذا بَدا كأنك اتخذت هذا الموقف على عاتقك وتحمّلت تبعاته بمفردك؟
أجاب: «هل يمكن أن أتخذ موقفا من هذا النوع على عاتقي الشخصي؟ ان ما صدر عن وزارة الخارجية يعبّر عن موقف الدولة اللبنانية، وتحديدا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إضافة إلى الوزير المختص، وليس صحيحا ان الرئيس ميشال عون تَنصّل منه بل هو اتصل بي وهنّأني وأبدى دعمه لي، وكذلك الرئيس نجيب ميقاتي لم يتنصّل من البيان، ودوري كوزير للخارجية هو ان اعبّر عن الموقف الرسمي الذي تقرر اعتماده في نهاية المطاف».
ويتابع: «لم تتم استشارة احد من القوى السياسية في ما صدر، ولم يُعرض الأمر على طاولة مجلس الوزراء، لأن تحديد التوجه الرسمي حيال حدث دولي هو بالدرجة الأولى شأنُ رئيسَي الجمهورية والحكومة بالتنسيق مع وزير الخارجية، ولك أن تتخيل ما الذي كان يمكن أن يحصل لو طُلب من مجلس الوزراء مُجتمعاً اتخاذ موقف موحد من الهجوم الروسي على أوكرانيا».
ويشير بوحبيب الى ان الانقسام الداخلي حول بيان «الخارجية» كان متوقعا، «وانا شخصيا لم اتفاجأ به، بل هو امر طبيعي في بلد ديموقراطي كلبنان، وبالتالي من حق «حزب الله» او رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وغيرهما الاعتراض، ومن واجبنا في المقابل ان نقرر تبنّي الموقف الذي نجده متناسباً مع مبادئنا الثابتة والمصالح العليا».
ولدى سؤاله: لماذا لم تعتمدوا سياسة «النأي بالنفس» عن النزاع الروسي الاوكراني؟
أجاب بوحبيب: «انّ قاعدة «النأي بالنفس «متّبعة حصراً على مستوى النزاعات العربية والمحاور الإقليمية، اما على الصعيد الدولي فليس هناك ما يمنع من ان تكون لدينا مواقفنا الواضحة النابعة من ثوابتنا الوطنية والقوانين الدولية، خصوصا في ما يتعلق برفض اجتياح دولة لدولة أخرى، تماماً كما فعلت حكومة الرئيس سليم الحص عام 1990 عندما نددت بالغزو العراقي للكويت».
وادى سؤاله: ولكن، الا تظن بأنّ النبرة المرتفعة للبيان في مخاطبة روسيا كانت تنطوي على مبالغة لا تتناسب مع حجم لبنان وموقعه إزاء نزاع عالمي كبير؟
أجاب: «ماذا فعلنا؟ نحن استنكرنا مبدأ الغزو الروسي وسجلنا موقفا أخلاقيا لا أكثر ولا أقل، وبالتالي لم نذهب إلى أبعد من ذلك ولم نوقّع قرارا غربيا في الأمم المتحدة ضد روسيا». واضاف: «انا تواصلتُ مع سفيرنا لدى الجامعة العربية وطلبت منه السعي الى الدفع في اتجاه اتخاذ موقف عربي مشترك من الازمة المستجدة، وكذلك طلبت من سفيرتنا لدى الامم المتحدة ان تتواصل مع السفراء العرب للغرض نفسه».
وعندما سئل: هل صحيح ان الأميركيين ضغطوا عليكم لإصدار البيان الشهير؟
أشار بوحبيب الى «انّ المسألة لا تتعلق بضغط مباشر وإنما القوى الدولية تلجأ في مثل هذه الأوضاع الى محاولة استقطاب تأييد أكبر عدد ممكن من البلدان، وضمن هذا الإطار تكلّم معنا الأميركيون والفرنسيون والألمان وغيرهم، ونحن في النهاية نقرر ما يناسب مصالحنا».
ويشدد بوحبيب على «أن موقفنا لا يعني العداء لروسيا، بل نحن حريصون على المصالح المشتركة والعلاقات الثنائية التي تجمعنا بموسكو».