كان عبدالغني سلام رجل التفهّم والتفاهم، حسب التعبير الشهير للرئيس صائب سلام. رجل بيروت التي يؤمن بأنها قلب لبنان الذي أراد له أن يبقى عقل العرب. حارس المهنية الراقية في الصحافة من موقعه كأمين سر لمجلس نقابة الصحافة ونقيب بالوكالة خلال ظروف خاصة في المجلس. كل اختلاف في الرأي على قرار كان ينتهي بحل يقترحه الزميل عبدالغني سلام. وكل خلاف بين نقيبي الصحافة والمحررين كان ينتهي بتسوية بعد حوار الى مائدة عشاء في بيت عبدالغني سلام.
وعلى طريقة كلاوزفيتز القائل ان الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فان الصحافة هي استمرار للسياسة بوسائل أرقى. ولم يكن حرص عبدالغني سلام على العقل والحكمة وبعد النظر في السياسة مجرد موقف نظري عبر كلمات في مقال بمقدار ما كان أيضا نهج حياة ومسار سلوك عملي في السعي لتسوية أي خلاف سياسي في البلد. لا عقبات تمنعه من السعي الدائم للتسويات. ولا مصاعب تحول دون اندفاعه نحو ما يعبّر عن موقف بيروت والمصلحة الوطنية للبنان والمصلحة القومية العربية حتى أيام انحسار المدّ القومي.
كان عبدالغني سلام في حياته النموذج العملي الذي ينطبق عليه الحديث النبوي الشريف: الآمال ما تقيدت بأسباب، والأماني ما تجرّدت عنها. ففي أيام اليأس يفتح نافذة الأمل على غد أفضل. وكلما طغى البؤس وضاقت الدنيا بأهلها لجأ الى الأماني مؤمنا بأن الخير ينتصر في النهاية على الشر. فلا قسوة الأشرار وفظائعهم منعته من رؤية تفاهة الشرّ حسب تعبير حنة أرندت. ولا وقوع لبنان في حرب طويلة خدمت أطرافا اقليمية ودولية، وكشفت بعض أمراض اللبنانيين وعصبياتهم، جعلت عبدالغني سلام يتراجع عن ايمانه بجوهر لبنان وعروبته وطبيعة التوازنات وطبائع الأمور فيه.
كان الفيلسوف البريطاني ادموند بيرك يقول: كل ما هو ضروري لانتصار الشرّ هو ألاّ يفعل الرجال الجيّدون أي شيء. لكن عبدالغني كان واحدا من الرجال الجيّدين، الذين رأوا ان رسالتهم هي فعل أي شيء وكل ما يستطيعون لمنع انتصار الشرّ، ثم لتجاوزه الى انتصار الخير. أليس قول الحق هو الممر الإجباري للوصول الى الحق؟ أليست قمة العمل الوطني والسياسي هي ممارسة الصحافة دفاعا عن الحق في المعرفة وفي أن تكون السياسة هي فنّ ادارة شؤون الناس، من دون تولي المناصب في السلطة؟
رحم الله عميد اللواء الذي عاد الى تراب بيروت. وكان الله في عون بيروت التي تبقى، مهما جار عليها الزمان والأشرار، بيروت الحرية والجمال وثقافة الحياة.