«هذا الدكتور نزيه عبد الرحمن البزري». التعريف الذي يشار به إلى الشاب اليافع، أحيا طيف حكيم صيدا ورئيس بلديتها ونائبها ووزيرها الراحل نزيه عبد الرحمن البزري، بعد سبعة عشر عاماً على وفاته. مرافقة الدكتور نزيه «جونيور» لوالده رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري، في جولاته ومشاوراته الانتخابية التي يجريها حالياً قبيل ترشحه رسمياً وتثبيت تحالفاته، تبثّ لدى المؤيدين حنيناً إلى زمن كان آل البزري يحتلون نصف المشهد السياسي الصيداوي ويشاركون في توجيه بوصلة بوابة الجنوب.
هؤلاء المؤيدون لن يرتضوا بالاكتفاء بالحنين. فقد شحذوا هممهم والتفّوا حول البزري الابن تحضيراً لخوض الانتخابات النيابية المقبلة تحت شعار «إعادة القرار الصيداوي إلى صيدا واسترداد دورها كبوابة للجنوب وعاصمة للمقاومة».
في المنزل الأبيض في شارع رياض الصلح، المشيَّد منذ أكثر من مئة عام، لا تزال تشكل العيادة التي أسسها البزري الأب في الطبقة الأرضية، موئلاً لمختلف الشرائح الصيداوية. «البيت لطالما بقي مفتوحاً بغضّ النظر عن العمل السياسي. فهذا البيت السياسي قائم في الأساس على مهنة الطب في زمن الوالد ومهنة الطب والتعليم الجامعي في زمني، وقبلنا في زمن جدي رئيس دائرة الأوقاف عبد الرحمن البزري» يقول البزري. هدير الماكينات الانتخابية والمناصب الرسمية ليسا جديدين على البيت الهادئ. منذ عام 1953 عندما صار الأب نائباً للمرة الأولى ولدورات متعددة ثم وزيراً. وبين هذا وذاك، تاريخ السابع والعشرين من شباط 1975، حينما كان يمكن أن يشكل البزري شرارة الحرب الأهلية، لكن الرصاصة «اختارت» صدر رفيقه الشهيد معروف سعد الذي كان يتأبط يده في تظاهرة الدعم لصيادي المدينة في ساحة النجمة. إرث يحرص البزري الابن على الحفاظ عليه. إلا أن التزام نهج العروبة والمقاومة لا يعوض عن التزام قضايا الناس المعيشية. رئيس بلديتها لستّ سنوات، يتعهد بتقديم طرح جديد لصيدا. «هناك مشاكل مسؤولة عنها كل القوى الموجودة، بمن فيهم أنا».
تحولت العيادة أخيراً إلى خلية نحل ليس للمناصرين التقليديين لآل البزري فحسب، بل لعدد من الناشطين في المجتمع المدني في المنطقة أيضاً. في معركته الأخيرة التي خاضها البزري عام 2004 إلى جانب التنظيم الشعبي الناصري والقوى الوطنية، وفاز بموجبها برئاسة بلدية صيدا، كان الإطار سياسياً ضد مشروع آل الحريري وحلفائهم. أما المعركة المرتقبة، فقد أبعدها عن كل رموز السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر. باستراتيجية طبقها خلال ترشحه مستقلاً عام 1996 بمواجهة أقطاب السلطة وحلفائهم، يعيد البزري الكرّة. هو لا يزال مستقلاً، لكن صيدا تغيرت.
«الأمور في صيدا لا تسير بنحو سليم. نائباها في الدورات الأخيرة يشكلان جزءاً من الكتلة السياسية الكبرى التي ينتميان إليها بدل أن يرتبطا بالقرار الصيداوي الداخلي. في النتيجة، فقدت صيدا الكثير من دورها مع أبنائها ومع الجوار. إذ إن عاصمة الجنوب ليست مبنى للسرايا الحكومية أو مؤسسات عامة أو خاصة، بل مدينة تقود الدور الوطني الجنوبي وتتسع للجميع وتحتضنهم على اختلافهم وتستوعب الخوف الفلسطيني. لأن القوة الصيداوية لا تقوم على التنافر مع الآخرين» يقول البزري. يدرك أن الوطنية والامتداد نحو المحيط قيمة لا يحتكرها هو. نلمّح إلى المرشح المفترض أسامة سعد. يقاطع قائلاً: «أرفض أن تكون معركة صيدا ــــ جزين قائمة على التنافر بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وأرفض أن أكون جزءاً من قرار خارجي عن صيدا التي فيها زخم انتخابي عالٍ مثل جزين، ويحق لأبنائها أن يكونوا أصحاب قرار». على الأرجح، أصدقاء البزري استبعدوه من اللائحتين شبه المحسومتين في الدائرة (أصدقاؤه العونيون في لائحة مع تيار المستقبل وأصدقاؤه حزب الله والرئيس نبيه بري في لائحة مع أسامة سعد وإبراهيم عازار). لا يجيب بوضوح عن السبب. يقول: «أسقطت عام 1996». يستطرد: «في هذا القانون الجمع بين شخصيتين صيداويتين في لائحة واحدة لا يضر ولا يفيد». مع ذلك، «الود سيبقى مع الأصدقاء ومع خيار دعم المقاومة، حتى لو أدارت هي ظهرها لنا أو لا. وعليه، سواء ربح أسامة سعد أو ربحت أنا، أعتبر نفسي فائزاً». أما بالنسبة إلى آل الحريري، ففي السياسة لم تقترب المسافة بينهما منذ معركة عام 2004. دعمه لترشيح رئيس البلدية محمد السعودي عامي 2010 و2016، مرتبط بشخص الأخير حصراً. خلال أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية، اتصل البزري بالنائب بهية الحريري متضامناً. «عدا عن الواجبات الاجتماعية، لا يوجد حوار سياسي أو أي تقاطع».
أدرج حيثيته الصيداوية ضمن حالة اعتراضية «تتلاقى مع قوى في المجتمع المدني وشخصيات مستقلة بين صيدا وجزين». يؤكد أنه لم يلجأ إلى «المدنيين» بعد استبعاد «السلطويين» له، بل إن تواصله معهم بدأ منذ أكثر من سنة انطلاقاً من مواجهة الأزمات البيئية والاقتصادية التي تعاني منها صيدا والمنطقة. وبرغم أنه ميز موقعه باكراً، إلا أن مروحة اتصالات وزيارات لافتة قام بها البزري أخيراً. «العلاقة ممتازة مع كل الأطراف»، مستدركاً: «أنا أقل الأفرقاء قدرات، لكني أفضّل أن أكون شريكاً لا تابعاً». من هنا، يضع شرطاً لعقد تحالفاته، «إذ وجدت طرحاً منطقياً وشعارات جامعة على مستوى التوجهات السياسية، وليس حلفاً آنياً لزيادة الأصوات، وإلا تصبح انتهازية سياسية». هذا الشرط يحصر لائحة التحالفات المحتملة لديه، ويبقى أبرزها حتى الآن وأكثرها منطقية احتمال التحالف مع قائد الدرك السابق صلاح جبران.