لم يكن عبدالله بو حبيب يعلم انه سيكون على رأس الديبلوماسية اللبنانية عندما استبعد قبل اشهر من تشكيل الحكومة اللبنانية لان الظروف الخارجية والداخلية لا تشي بذلك، جازماً ان مقولة الاكثرية تحكم والاقلية تعارض، بعد الانسحاب السوري عام 2005 تعرض لبنان لحرب أهلية وأن حكامه لا يغلّبون التسامح وأن بعضهم لا يريد سياسة عفّى الله عما مضى.
لرواية توزيره أكثر من صيغة، تقول احداها ان ميقاتي صارح عون باعتراضه على الاسم لاعتبارات تتعلق بالعمر مقترحاً استبداله بالسفير بطرس عساكر فأجابه عون ما من مشكلة، هناك اسماء اخرى يمكن اقتراحها مثل غابي عيسى او سفير لبنان الحالي في كندا. عندها فضل ميقاتي خيار بو حبيب على الآخرين فكان لعون ما اراد.
الرجل الذي دخل الديبلوماسية من بابها العالي عندما شغل منصب سفير لبنان لدى واشنطن، أتى اليها من مركز الاقتصاد العالمي من البنك الدولي عندما تولى كخبير اقتصادي مسؤولية القروض فيه فجمع الاقتصاد الى الديبلوماسية. لم يسع ليكون وزيراً خلال مسيرته المهنية الطويلة، ولو ان تسلم المهام اليوم شرف لا يدّعيه، ولكنه يراه مناسبة كي يخدم لبنان في ظروفه العصيبة، حيث الحاجة الملحة الى كل من يستطيع ان يخدم. لا يكتفي خلال اعداد برنامج عمله الوزاري بالنهل من ماعون الديبلوماسية ويكتفي به، فالسنوات السبع التي امضاها سفيراً للبنان في واشنطن ليست الاساس الذي يبنى عليه وحده، بقدر ما سيقلّب في دفاتر عمله على امتداد عشرين عاماً في البنك الدولي ثم رئيساً لمركز عصام فارس للدراسات والتي فتحت له آفاقاً في العلاقات والحوار والديبلوماسية. قد لا يكون في وزارة الخارجية ما يمكنه العمل عليه كوزارة أبعد من امور ادارية ولكن دوره سيكون اكبر وأهم في دعم مشاريع لبنان في الخارج. فمن وجهة نظر رئيس الديبلوماسية اللبنانية ان العمل المطلوب في الوقت الحاضر هو دعم الديبلوماسية الاقتصادية للبنان وليس الديبلوماسية السياسية. وعمله سيتركز خصوصاً باتجاه الدول المعنية بالشأن اللبناني حصراً ليتوجه اليها ليس في السياسة للقول ان لبنان في خطر فحسب وانما بالاقتصاد مستفيداً هنا من علاقاته بالمؤسسات التي سبق وعمل فيها لسنوات سواء البنك الدولي او صندوق النقد او المصارف الاوروبية التي تتعاطى مع مشاريع اعادة الاعمار. أمله هنا ان يتمكن من فتح الابواب ليستفيد لبنان اقتصادياً.
منذ انتقل عون الى بعبدا رئيساً للجمهورية وعبدالله بو حبيب الاسم الأقرب لتولي حقيبة الخارجية، يدعمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ويرى في وجوده تحقيق اكثر من غاية سياسية ديبلوماسية وحتى انتخابية في الاشهر القليلة المقبلة. فالديبلوماسي المخضرم، أصدر في العام 2019، كتاباً بعنوان “أميركا القيم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط”، يعرض على متن صفحاته لأحداث ووقائع ومواقف في سياسة الولايات المتحدة الشرق اوسطية ابتداءً من العام 1970 (عهد ريتشارد نيكسون) وحتى 2019 (عهد دونالد ترامب)، ويسرد مجريات الأحداث في لبنان قبل وبعد اغتيال رفيق الحريري وصولاً إلى توقيع الجنرال ميشال عون والسيد حسن نصرالله “تفاهم مار مخايل” في 6 شباط.
المتبني لنظرية الرئيس القوي قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية كتب في موقع “بوست 180” يقول “بعد ثلاث سنوات على العهد القوي عدنا إلى الوراء. فقدنا الأمل وكبرت مخاوفنا على بلدنا، وازداد حجم الفساد، وكبرت الهوة بين الشعب والحكام”، معتبراً ان “الازمة التي تراكمت خلال ثلاثة عقود لا تعالج بالمسكنات” وهو الذي يعتبر ان تنفيذ الطائف يعفي من الحاجة الى مؤتمر تأسيسي آخر، هو حتماً آتٍ”.
المقربون منه يتوقعون ان صديقهم سيعمل خلال فترة ترؤسه وزارة الخارجية على شقين: محاولة اقناع الاميركيين بنظريته التي تقول ان الفوضى في لبنان لا تصب في مصلحة الاميركيين والافضل البحث عن خيار آخر، ومع الدول العربية سيحاول العمل على ان يكون العراق نموذجاً في التعاطي فالدولة الاقرب الى ايران من ناحية الجغرافيا والجيوبوليتيك يتم التعاون معها اميركياً كي لا تقع نهائياً في الحضن الايراني ويمكن لذات المعادلة ان تنطبق على لبنان.
ابن بلدة رومية المتنية وسليل عائلة كتائبية عرف عنه قربه الى الرئيس الراحل بشير الجميل الذي وعده بتسليم منصب حاكمية مصرف لبنان، لكن الحظ خالفه بان اغتيل بشير واختاره الرئيس الخلف امين الجميل سفيراً في واشنطن حيث تعرف للمرة الأولى الى العماد ميشال عون في سفارة لبنان في واشنطن عام 1983، وخاض معركته بعدما تسلّم رئاسة الحكومة اللبنانية في العام 1988 وانتهت القصة باقتحام السفارة من قبل السلطة بعد تسلم النائب السابق نسيب لحود سفيراً للبنان خلفاً له. فعاد الى عمله السابق في البنك الدولي كأحد كبار المستشارين فيه في شؤون الشرق الأوسط، قبل أن يعود إلى لبنان في العام 2000 مستشاراً لعصام فارس، ثم رئيساً لـ”مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” طوال عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين لم تبق علاقته على حالها مع الجنرال عون الى حين عودته الى البلاد حيث كان بو حبيب من اوائل داعميه والساعين لوصوله وعضواً من اعضاء خلية السبت التي تلتقي معه اسبوعياً في الرابية.
سبع سنوات كسفير حافظ على حضور ديبلوماسي لافت، وعشرون عاماً في البنك الدولي ثم في مركز الدراسات، ليخرج من كل المراكز التي شغلها رجلاً يعيش بامكانياته الذاتية متمتعاً بنزاهته المهنية وكفاءاته وهو بقي حاضراً رغم انقطاعه حيث لم يعد منخرطاً بالعمل الديبلوماسي والسياسي كما كان عليه من قبل.
المؤمن بوجوب “وضع لبنان على سكة وطنية اصلاحية تقدمية تنتج نواباً احراراً وحكومة ممثلة لشعبها وليست حكومة تقاسم ومحاصصة على صورة الطبقة السياسية الفاشلة التي أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية”، طموحه ابعد من ختم مسيرة بلقب معالي فهل ستسعفه الظروف؟