يلتقي اليوم في قاعة « فيلادلفيا » في «مركز الأمير الحسن بن طلال للمؤتمرات» على ضفاف البحر الميت عدد كبير من قادة الأمة في إطار الإنعقاد السنوي للقمة العربية وفق الترتيب الأبجدي. ولولا حالة التوعك الصحي إلى حد ما بالنسبة إلى إثنيْن من القادة هما السلطان قابوس والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكذلك لولا «الحُرْم» الموضوع على النظام البشَّاري لكانت القمة الثامنة والعشرين ستنعقد بكامل الملوك والرؤساء، ولكانت ستبدو إزاء الأحوال البالغة السوء التي تعيشها الأمة في أكثر من دولة في الجناح المشرقي من العالم العربي وفي الجناح المغاربي، قمة إستثنائية بكل أوصاف العمل العربي الإستثنائي والعاجل لمداواة النزْف المستحكِم في كيانات كثيرة.
لكن في أي حال تبدو القمة العربية الدورية الثامنة والعشرين مرشحة في ما يقرره القادة الحاضرون لتكون غير تلك القمة السابعة والعشرين التي إستضافتْها موريتانيا بعد إعتذار الملك محمد السادس عن الإستضافة، وكانت المشاركة فيها كما النتائج خجولة بعض الشيء، ربما لأن الذين يصنعون القرارات الحاسمة ويبلورون المواقف لم يشاركوا وبذلك إنتهت تلك القمة مجرد جمْع عربي غير مكتمل على المستوى القيادي رأى معظم المشاركين فيه بلاد الشنقيط (موريتانيا) للمرة الأُولى وأسعدهم اللقاء بمثل ما أسعد الشعب الموريتاني الطيِّب.
وللتذكير فإن الحد الأقصى الذي توصلت إليه القمة السابعة والعشرين وكانت الأولى في عهد الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبو الغيط هو «الإلتزام بالتصدي لكل التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي» و «تأكيد مركزية القضية الفلسطينية» و «دعوة الليبيين إلى إستكمال بناء الدولة والتصدي للإرهاب» و«دعْم شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمفاوضات الجارية بين اليمنيين» و«وقْف الإعتداءات على المسجد الأقصى والإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد القدس» و«مطالبة المجتمع الدولي بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي والإنسحاب من كامل الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان العربي المحتل إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 والأراضي المحتلة في جنوب لبنان ».
ما أوردناه ليس قرارات وإنما مجرد إعلان. ولأنها ليست قرارات فإنها تبقى مجرد تمنيات. وهذا ما نراه ماثلاً في المشهد العربي بين يوم 26 تموز 2016 الذي إختتمت فيه قمة نواكشوط أعمالها ويوم 28 آذار 2017 عشية إنعقاد القمة الثامنة والعشرين. ونحن عند التمعن في مضامين المداولات التي جرت بين وزارء الخارجية قبل إنعقاد «قمة عبدالله الثاني» بثمان وأربعين ساعة من أجل إعداد «إعلان القمة الجديدة» إرفاقاً بالبيان الختامي الذي يصدر عن القمة بعد الجلسة الختامية، نجد أن رموز الدبلوماسية العربية الذين يصوغون عادة قرارات أهل القمة، وضعوا أمامهم أوراق مداولات القمة السابقة وغيَّروا فقط بعض الكلمات وتاريخ المناسبة. ونقول ذلك على أساس أن كل ما جاء في «إعلان» القمة السابقة والبيان الختامي بقي دون التنفيذ طوال الأشهر التي تفصل السابقة عن التي تبدأ أعمالها اليوم.
لكن ثمة بند مهم في ما إتخذتْه القمة السابقة يتعلق بالموضوع الفلسطيني نصَّ على «إعتبار عام 2017 عاماً لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين…». ومثل هذا البند كان من الأفضل صياغته بغير هذا الجزْم لأن عدم سلوكه مسْلك التنفيذ يمكن أن يزيد الإحباط الفلسطيني والعربي عموماً إحباطاً، إلاَّ إذا كانت هذه المشاركة الأميركية- الروسية إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة هي تمهيد لبداية رؤية دولية- عربية قيد التبلور لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي بدءاً بتسوية موضوعية تستند في روحيتها إلى «مبادرة السلام العربية». ومثل هذا الإحتمال وارد، ذلك أن دعوة مَن يمثل الرئيس ترامب ومَن يمثل الرئيس بوتين إلى قمة عربية هي تقليد جديد وبالذات إزاء رئيسيْ الدولتيْن الكبريين، وأن الدعوة إلى المشاركة إقتصرت ماضياً على الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان… إنما إلى إثنتيْن من قمم مجلس التعاون الخليجي.
فهل يا تُرى ستكون المنطقة على موعد مع مفاجأة سارة، أم أن المفاجأة هذه مؤجلة إلى القمة التاسعة والعشرين في دولة الإمارات. ومَن يدري فقد يهدي الشيخ خليفة بن زايد الإنعقاد إلى الرئيس محمود عباس يستضيف القمة المشار إليها في رام الله. ولقد إعتدنا على أن المستبعَد حدوثه إنما يحدث وعلى أيسر السبُل وأصدق النوايا. أليس هذا ما حدث مع الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليه عندما أهدى القمة الدورية الثانية إلى لبنان.
في العام 2002 أثمرت القمة العربية الدورية الثانية «مبادرة السلام العربية» وفي العام 2018 تثمر القمة التاسعة والعشرون ما لم يثمر حتى الآن بالنسبة إلى الإحتلال الإسرائيلي… إلاَّ إذا كانت هنالك مفاجأة في المدى المتبقي من أشهر العام 2017 وبذلك يبدأ العد العكسي لإنجاز صيغة الدولتيْن.
… وتحت المجهر بقية عن «قمة عبدالله الثاني».