ليست المرة الأولى التي يزور فيها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبنان، زاره منذ إثني عشر عاماً، وتحديداً عام 2011، وكان آنذاك نائباً لوزير الخارجية الإيراني، وآنذاك أيضاً لم يكتفِ بزيارة العاصمة بيروت بل «تفقّد» الجنوب ووقف أمام بوابة فاطمة في بلدة كفركلا الحدودية. يعيد التاريخ نفسه اليوم، عبد اللهيان لم يكتفِ بزيارة بيروت، بل تفقَّد الجنوب، وتحديداً بلدة مارون الراس الحدودية، في مشهدٍ غابت عنه الدولة اللبنانية ككل، باستثناء الحضور النيابي لبعض نواب «حزب الله».
الشكل هنا أهم من «المضمون الديبلوماسي»: في مارون الراس وضع إكليلاً على مجسَّم قاسم سليماني، و»استطلع»، بالنظر، المستوطنات الإسرائيلية، واستمع إلى شروحات ميدانية قدَّمها أحد «ضباط» «حزب الله».
في كلِّ هذا المشهَد، تصرَّف رئيس الديبلوماسية الإيرانية كضيفٍ لدى «حزب الله» وليس كزائرٍ للبنان، مع أنّ زيارة الجنوب، في الشكل الذي تمَّت فيه، فيها خرقٌ لقرار الأمم المتحدة الرقم 1701 الذي يحدّد منطقة جنوب نهر الليطاني منطقة خالية من الوجود المسلَّح باستثناء الجيش اللبناني وسائر القوى العسكرية والأمنية الرسمية اللبنانية. تمثَّل الخرق في الزيارة، في وجود «ضابط» من «حزب الله»، لكن لا أحد توقَّف عند هذا «التفصيل» الصغير في ظل خروقات أكبر بكثير.
السؤال هنا، لماذا يقوم الوزير حسين أمير عبد اللهيان في لبنان، بما لا يقوم به في سوريا وفي سلطنة عُمان؟
عبد اللهيان زار دمشق، التقى الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، لم يقم في سوريا بما قام به في لبنان، لم يزر المنطقة الملاصقة للجولان المحتلّ، كما فعل في جنوب لبنان، لم يرشده ضابط سوري، أو «ضابط» من «حزب الله» هناك، لأنّ الزيارة مخصّصة لمحادثات وليست لجولات ميدانية. الأمر ذاته في سلطنة عُمان، الوزير عبد اللهيان التقى نظيره العُماني بدر البوسعيدي.
المقاربة الديبلوماسية للزيارة في محطاتها الثلاث تتفاوت: في دمشق وعُمان يمكن الحديث عن مضمون ديبلوماسي، في بيروت يمكن الحديث عن «عراضة ديبلوماسية»، لماذا؟ لأنّ لبنان، وبكل أسف، «ساحة» وليس دولة، وإيران تعتبره جزءاً من عمقها المتقدِّم، ألم يقل أحد المسؤولين الإيرانيين إنّ بلاده تسيطر على عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وعلى جزء من اليمن وعلى غزة؟
ليست المشكلة في إيران، فالنزعة التوسّعية من صلب عقيدة الجمهورية الإسلامية التي نادت منذ اليوم الأول لانتصار الثورة وإسقاط الشاه، بتصدير الثورة، ومنذ العام 1979، تثابر على محاولة تحقيق هذا الهدف، وما لبنان سوى هدف من «بنك الأهداف» بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية. المشكلة في الدولة اللبنانية التي لم تصدِّق يوماً أنها دولة.