إمتعاض خليجي من بايدن ومسعى لإستيعاب دمشق
تطرح التطورات في العالم لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية وماهية انعكاسها على المنطقة، أسئلة أكثر من أجوبة تحتمل أكثر من تقدير، في ظل ثابتة بأن هذه المنطقة ولبنان في صلبها، عرضة لمتغيرات قد يصح القول إنها تحولات، بينما لا يزال المستقبل، القريب منه قبل البعيد، مجهولاً.
لا شك أن الحرب الدائرة ستُلقي بظلالها على لبنان والمنطقة كما على العالم بأسره، والتسويات التي كانت مطروحة سابقا في الشرق الأوسط وخصوصاً على صعيد الانفتاح الايراني الخليجي، وقبله في موضوع الخرق الخليجي السوري، لا سيما الاماراتي السوري، الذي مُهد له منذ سنوات وفُرمل في عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، قبل حضور الادارة الديموقراطية الحالية، بات أكثر نضجا اليوم ممهدا بالتالي لتسويات إقليمية تتجاوز التوترات النارية لصالح قناعة لدى الجميع بأن لا سبيل سوى باستقرار المنطقة يفيد الشعوب والأنظمة.
لا حرب إسرائيلية
يشير معنيون في المحور الذي تقوده إيران الى ثابتة عدم إتجاه الإقليم حول لبنان نحو الحرب وسط إرباك إسرائيلي ومؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية بعيدة كل البعد عن فتح معركة، سواء داخل الاراضي الفلسطينية أو خارجها وهو ما يدلّ عليه تعاطيها مع العمليات الفلسطينية العسكرية أو في حادثة اضراب الأسرى الفلسطينيين التي توقفت بعد تقديم تنازلات على صعيد بعض المطالب لا سيما لحركتي «فتح» و«حماس»، قبل تحولها الى ثورة سجون وانتفاضة وانتقالها الى الطابع العسكري.
يتوقف هؤلاء عند زيارة الملك الاردني عبد الله الثاني الى الاراضي المحتلة لترسيخ التهدئة على أبواب شهر رمضان الذي يشهد في بعض المراحل ثورات شعبية انطلاقا من المسجد الأقصى، وذلك يشكل مؤشرا على نية اللاعبين كافة بعدم التصعيد.
على أن الأمر لا يتوقف عند حدود ذلك، ففي سوريا حيث المناوشات العسكرية، على حد تعبير قيادي في هذا المحور، لا أفق لحرب كبيرة، سواء بالنسبة الى الحكومة الإسرائيلية أو بالنسبة الى إيران و«حزب الله» حتى باتت قواعد اللعبة محكومة بسقف معروف سلفاً من دون الإنجرار إلى ما هو أبعد، وهو أمر لن يفعل الانغماس الروسي في الحرب الاوكرانية في تغييره وتخطي حدوده.
هذا من ناحية المبدأ، لكن سبر أغوار ما ستحمله المرحلة المقبلة دفع بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى زيارة المنطقة في سوريا ولبنان وذلك بعد زيارة الى موسكو لنقاش انعكاس الحرب الروسية الاوكرانية على المنطقة بعد اقتراب توقيع الإتفاق النووي، وهي حرب بالوكالة بين موسكو والغرب وعلى رأسه واشنطن التي ترى وجهة النظر هذه أنها تسعى الى تعميق الانخراط الروسي فيها على أمل إستنزافه ما يبدو واضحا من الدعم الكبير والتحريض للاوروبيين وحلف «الناتو» وتقديم الدعم المُتعدد وأهمه السلاح الى كييف، طبعا من دون دخول واشنطن في الحرب بنفسها، فالرئيس الأميركي جو بايدن هو اذكى من توريط الولايات المتحدة في صراع عسكري لن يفيد بقدر توريط موسكو أكثر في صراع يبدو طويلاً.
حاز ما يدور في العالم على حصة الأسد من المباحثات غير العلنية التي أجراها الضيف الايراني في لبنان والذي تقصّد ان يستهل جولته بلقاء قادة الفصائل الفلسطينية للتدليل على ان الاقتراب من انضاج الاتفاق النووي لن يكون على حساب السياسية الايرانية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه فصائل المقاومة في المنطقة كما تجاه دمشق.
لكن إيران التي لم تدلِ بموقف مؤيد للعملية العسكرية الروسية هي معنية بالاستفادة قدر الامكان من أي فراغ روسي في المنطقة ولو مؤقت، وتريد ان تستفيد من مجابهة واشنطن لموسكو وانتقال اولويتها من المنطقة الى خارجها لا سيما تجاه القوتين الكبريين الصين وروسيا.
إتفاق حتى نهاية ولاية الديموقراطيين؟
هذا ما يفسر المسعى الأميركي لتوقيع الاتفاق النووي ولجم الحكومة الاسرائيلية وتقديم تنازلات جوهرية يطلبها الايراني مثل النأي بملفات المنطقة عن الاتفاق وحصر المباحثات بالمسألة النووية وصولا الى تحرير «الحرس الثوري» من العقوبات وقادة إيرانيين، وهي خطوة إن حصلت، ستُعد ضربة تفاوضية ايرانية كبيرة.
لكن وجهة النظر هذه تشير الى أن واشنطن وطهران باتتا على علم بأن لا امكانية لضمان هذا الاتفاق في حال عودة الجمهوري ترامي الى سدة الرئاسة، وحتى لو وُقع الاتفاق لنحو ثلاث سنوات فإن الادارة الاميركية تكون بذلك لجمت الاندفاعة الإيرانية النووية عبر مراقبتها عن كثب بعد ان فعل خروج ترامب من الاتفاق في استفادة ايران من زيادة حادّة في التخصيب.
وانطلاقاً من هنا تستفيد طهران على صعيد تعزيز التفاوض مع الرياض الممتعضة من إدارة بايدن، تماماً كالإمارات التي عملت على خط الإلتقاء مع المسؤولين الإيرانيين منذ زمن.
تسويات في المنطقة
لا تبتعد هذه الرؤية عمّا تريده طهران من الانفتاح الخليجي على سوريا الذي يأتي في إطار إيجاد تسويات في المنطقة وسط حاجة سوريا الماسّة إقتصاديا ألى الدعم بعد حرب داخلية انهكتها، في موازاة رغبة خليجية ذات عنوان إماراتي لجذب دمشق.
على ان الانفتاح الخليجي هذا الموافق عليه سعوديا، يأتي في ضوء عدم رغبة أميركية في تصعيد الخلاف مع حلفائها (السابقين؟) الخليجيين، لكن أي دعم خليجي لاقتصاد سوريا سيتم بغض طرف أميركي في السياسة كما على صعيد قانون قيصر.
يعلم الخليجيون تماما صعوبة فصل دمشق عن طهران وهم حاولوا كثيرا في الماضي من دون جدوى، لكنهم يحاججون اليوم كون دمشق ماضياً، في عهد حافظ الأسد، هي غيرها اليوم بعد كل ما حدث وفي ظل تواجد إيراني قوي يريد الخليجيون تحييده واستيعاب دمشق. وتحت شعار ربط النزاع مع دمشق، والعنوان الحقيقي هو تجاوز عداوة الماضي (علما أن تلك العداوة لم تسقط نفسها على العلاقة بين دمشق وأبو ظبي التي يحتل عندها موضوع «الإخوان المسلمين» الأولوية)، يُعمل على عودة سوريا الى الجامعة العربية بمسعى جزائري رئيسي قد لا ينجح في الدورة الحالية ولكنه قد يحقق تقدما خلال فعاليات الدورة تمهيدا لخرق في الدورة المقبلة، علماً أن الدورة المقبلة قد تشهد محاولة لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية وذلك بهدف تطويق التطبيع العربي مع إسرائيل..
من هنا جاءت زيارة عبد اللهيان لتثبيت موقع طهران في المعادلة المقبلة من ناحية، وللتشاور حول أثر ما يحصل في أوكرانيا على المنطقة لا سيما في سوريا، من دون الذهاب الى اعتبار ان الوزير الإيراني حضر ليُبلغ المسؤولين بموعد توقيع الاتفاق النووي وإن كان ما تحقق في المفاوضات حضر طبقا رئيسيا في لقاءات الضيف الإيراني، وطبعا من دون تجاهل العروض الايرانية الاقتصادية وعلى صعيد الطاقة أملاً في إيجابية لبنانية بعد رفع العقوبات عن طهران، إذ لن يعود هناك من مبررات لبنانية لعدم قبول مساعدات من إيران أو التعاون معها.
في خلاصة هذه القراءة ثمة تساؤلات ما زالت من دون إجابات في انتظار ما سينجلي في المراحل التالية من الحرب في أوكرانيا، لكن البحث جديّ في مرحلة ما بعد الاتفاق النهائي بين طهران وواشنطن، وبذلك تكون زيارة المسؤول الإيراني ممهدة لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي.