وضعت الزيارة اللبنانية لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اللمسات النهائية للإخراج اللبناني في العلن للهدنة في حرب غزة، مثلما عبّرت في محادثاتها عن الطبيعة الديبلوماسية للرجل التي تعني، في ما تعنيه، أن الفترة القريبة المقبلة، على أقل تقدير، غير تصعيدية.
لم يكن لبنان استثناء في هذه الزيارة التي جاءت قبيل زيارة هامة لقطر، وهو شرع في مشاورات مع مجموعات “المحور” كانت هي الأهم وحضرت إلى جانب لقاءاته الديبلوماسية المعتادة.
للتذكير فإن الضيف الإيراني نفسه كان زار لبنان بعد أيام على بدء العدوان الإسرائيلي لضبط قواعد الجبهة اللبنانية، على أن وضع اللمسات الأخيرة على ما حصل لا يعني عدم التشاور في كل الخيارات الحاضرة اليوم وعلى رأسها التهدئة المستجدة في الجنوب مع “حزب الله”، لكن أيضا طبيعة المرحلة المقبلة مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
هنا يشير مقربون من الفصائل الفلسطينية الى أن عبد اللهيان كان متفقا مع ملتقيه على أن التهدئة تعد خرقا هاما وضربا لاستراتيجية العدو وتنفيسا لجنونه. والأهم، أن الهدنة جديّة. وهي تحظى بغطاء اقليمي ودولي، خاصة أميركي، نتيجة عوامل كثيرة أهمها صمود المقاومة وندرة الخيارات أمام الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والضغط على الارض من مختلف الجبهات.
طبعا نستطيع أن نضيف على ذلك الموقف العربي بالغ الأهمية في رفض التهجير وتكرار نكبة العام 1948 وإن بظروف مختلفة وبطبيعة اكثر انحسارا.. إضافة إلى انقلاب الرأي العام العالمي على إسرائيل فقد طرأ تحول نوعي هو الأكبر شعبيا في العالم منذ نكبة العام 1948 ضغط على الموقف الغربي الرسمي، فقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية أكبر تظاهرة داعمة للفلسطينيين وحصلت نسبة المسيرات والاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وليس بالضرورة لـ”حماس”، على 95 في المئة من التظاهرات المتعلقة بالحرب في العالم..
في كل الأحوال يرى من في المحور أن العد العكسي للمخطط الإسرائيلي قد حدث فعلا ونقطة التحول سرعان ما حصلت بعد قليل على العدوان على غزة، وثمة من يذهب إلى افتراض أن الحرب برمتها تقترب من النهاية من دون أن يعني هذا انتهاء العدوان على الأرض، لكن من الصعب أن تماثل إسرائيل في المستقبل ما فعلته منذ أكثر من شهر ونصف لا سيما وسط الضغوط الداخلية والانقسامات وقدرة “حماس” على تجزئة صفقة تبادل الأسرى بما يعني انها مستمرة بإمساك الإسرائيلي من اليد التي تؤلمه.
بلينكن وهوكشتاين: أي تقاطع؟
باختصار جاءت زيارة عبد اللهيان اللبنانية لتثبيت الهدنة بصفة إيرانية راعية للمحور مع إشارة الى أن جديّة الهدنة تعني بما تعنيه أن الهدنة هذه قابلة للتجديد. ويذكّر المتابعون للزيارة بأنها جاءت بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للأراضي المحتلة مثلما جاءت زيارة عبد اللهيان القطرية، بعد اللبنانية، بعد قليل على مغادرة وزير الخارجية الاميركي آنطوني بلينكن الدوحة وهو ما يشير إلى التقاطعات الإقليمية الدولية على ما يحدث، حسب وجهة النظر هذه.
لكن تجدر لفتة مهمة هنا إلى أن المسألة لم تقارب نهايتها، ذلك أن تعقيدات مفاوضات الأسرى قد تطيل الصراع وتدفع إلى خروقات إسرائيلية كون الحكومة اليمينية دُفعت دفعا إلى الهدنة حتى بدت إسرائيل كمن يتجرع السم بعد عدم تحقيق أي انجاز يذكر في المعركة باستثناء القوة التدميرية الهائلة والخسائر المؤسفة في الأرواح والجرحى، علما أن اطلاق الجنود الإسرائيليين سيكون أكثر صعوبة وسيكون مرتبطا بالوقف الشامل لإطلاق النار.
على أن الهدنة دشنت في كل الأحوال نقطة تحول في حرب لا تحتمل بأن تطول كثيرا.