بعد قرار مجلس الوزراء إلغاء وزارة الإعلام، بدأ الوزير بإعداد الآلية اللازمة لذلك. الأمر بحاجة إلى أشهر من التحضير القانوني، لكن في النهاية، لن تكون هذه الخطوة سوى خطوة في إطار تحقيق حلم السلطة بخصخصة كل مؤسسات الدولة
في الطبقة السادسة من مبنى وزارة الإعلام، كان وزير الإعلام جمال الجراح في اجتماع مع المدير العام للوزارة حسان فلحة. أمامهما الكثير من الأوراق، من بينها مقررات مجلس الوزراء، التي لم يتلها وزير الإعلام كما جرت العادة. حلّ محله رئيس الحكومة، ثم الأمين العام لمجلس الوزراء. قد يكون مفهوماً ومطلوباً ومنتظراً أن يخرج الحريري على اللبنانيين ليعدّد «إنجازات الحكومة»، لكن لم يعرف لماذا لم يتلُ الجراح المقررات التفصيلية بدلاً من الأمين العام للمجلس. ليس هذا مهماً. الوزير أمامه منذ اليوم وحتى نهاية تشرين الثاني المقبل ملف ضخم، عليه أن يعدّه لطرحه على مجلس الوزراء. إلغاء وزارة الإعلام قرار اتخذ ويبقى أن تقدّم الوزارة اقتراحها لآلية هذا الإلغاء. ولذلك، فإن اجتماع أمس كان تمهيدياً، على أن تبدأ بعدها دوائر الوزارة بتحضير مشاريع المراسيم والقوانين المطلوبة تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء ومن ثم إلى مجلس النواب.
أولوية مسؤولي الوزارة، بعد يوم من جلسة مجلس الوزراء، كانت تبديد قلق الموظفين من أن يؤدي إلغاء الوزارة إلى المسّ بحقوقهم الوظيفية. وقد سمع هؤلاء من الحريري، بعد مجلس الوزراء، ثم عبر بيان صادر عن وزير الإعلام، حرص المجلس «على حقوقهم واستمرارية عملهم وفق القوانين والأنظمة المرعيّة الاجراء».
مصير الموظفين أمر جوهري لا يحتمل من في السلطة المخاطرة فيه. وعليه، فإن 475 متعاقداً و30 موظفاً في وزارة الإعلام لن يُمسّ بوظائفهم، وعلى الأرجح، معظمهم لن تتغير طبيعة عمله، ولا سيما منهم العاملون في الوكالة الوطنية والإذاعة اللبنانية. هذا العدد لا يشمل، بطبيعة الحال، العاملين في تلفزيون لبنان وعددهم 270 متعاقداً، هم في الأساس لا يعملون تحت السلطة الإدارية لوزارة الإعلام، وإن كان التلفزيون تابعاً لوصاية الوزارة.
صحيح أن هذه الخطوة قدمت كجزء من الإجراءات الإصلاحية «المهداة» إلى المعتصمين في مختلف الساحات، إلا أنها أسوة بالكثير من البنود ليست سوى جزء من ورقة الحريري، التي نفذت تحت زخم الشارع، وإن لم تكن من مطالبه.
حتى مالياً، لا وفر قد ينتج من إلغاء وزارة لا تتخطى موازنتها الإجمالية 47 مليار ليرة، يذهب منها 20 ملياراً إلى تلفزيون لبنان، فيما يبقى 27 ملياراً يخصص نصفها للرواتب، لكن مع ذلك، فإن الوزير لا يتعامل مع الأمر بشكل مختلف. يعتبر أن الحسبة ليست في الأموال التي يمكن توفيرها فحسب، بل في الأموال التي يمكن تحصيلها مع فتح المجال أمام استعمال موارد الوزارة.
لا وفر مالياً قد ينتج من إلغاء وزارة لا تتخطى موازنتها الإجمالية 47 مليار ليرة
حتى اليوم، ليس واضحاً ما هو البديل من وزارة الاعلام. فالمؤسسات التابعة لها ستكون بحاجة إلى آلية جديدة لإدارتها. واحدة من الأفكار، على سبيل المثال، أن تُنشأ مؤسسة واحدة تجمع التلفزيون والإذاعة معاً (اتحاد للإذاعة والتلفزيون على سبيل المثال)، ويشكل لها مجلس إدارة. التغيير سيطاول أيضاً المجلس الوطني للإعلام، الذي سيتحول من مجلس استشاري إلى مجلس تقريري ذي استقلالية، أما في تفاصيل دوره فلا تزال الأمور غير واضحة.
بغض النظر عن الآلية الإدارية التي ستُعتمد، إلا أن الأكيد أنه مهما كان الإطار القانوني الذي سيرث الوزارة، فإن التوجه سيكون نحو إشراك القطاع الخاص في الملكية وفي الإدارة. أي أن القرار، كان يمكن أن يكون بضم وزارة الإعلام إلى المؤسسات المنوي خصخصتها، لكن لأنه ليس ممكناً خصخصة وزارة، كان الخيار بتحويلها إلى طبيعة أخرى، قبل طرق أبواب القطاع الخاص للمساهمة في ملكيتها، عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو عبر بيع أسهم للناس، أو عبر الأمرين معاً.
بحسب وزير الإعلام، فإن الوزارة مكبّلة بمجموعة من القيود القانونية التي تمنعها من الاستفادة من مواردها للحصول على عائدات مالية. فالإذاعة اللبنانية، على سبيل المثال، لا يمكنها بحسب القانون تأجير الاستديو المسمى «استديو فيروز» (كانت السيدة فيروز تسجل أغانيها فيه)، لأن القانون يمنع ذلك، في حين أن الاستديو مصنّف من الاستديوات المهمة جداً، وخاصة لقدرته على استضافة الفرق الكبيرة. والأمر نفسه يتكرر مع تلفزيون لبنان، الذي يملك الكثير من القدرات غير المستفاد منها، كمبنى الحازمية المغلق حالياً.
لور سليمان تنتفض
فوجئ وزير الإعلام جمال الجراح بالمقابلة التلفزيونية التي أجرتها مديرة الوكالة الوطنية لور سليمان، ولمحت فيها الى أن قرار إلغاء تكليفها بمهام مدير الوكالة الوطنية هو قرار سياسي يعود إلى تغطيتها لمجريات الانتفاضة الشعبية. وتؤكد مصادر الوزارة أن القرار متخذ منذ زمن، وسليمان تعرف به، كما يعرف به كل العاملين في الوزارة. وأشارت إلى أن الجراح سبق أن التقى عدداً من المرشحين لهذا المنصب، قبل أن يستقر الرأي على الصحافي زياد حرفوش الذي كان من بين من التقاهم الوزير.
كذلك، تبيّن بحسب قرار إلغاء تكليف سليمان أنه موقّع في 17 تشرين الأول، وقد سجّل في ديوان الوزارة حينها، لكنه لم يسلم إلى سليمان، بسبب اضطرارها إلى التغيب عن العمل في الأيام التي تلت، بسبب قطع الطرقات.
من ملف : الحراك مهدّد: القمع أو الخطف