IMLebanon

وداعاً أبو جمال  

 

 

غيّب الموت نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السابق الاستاذ عبد الحليم خدام، الذي لعب دوراً كبيراً في تاريخ سوريا الحديث، خصوصاً في ملف لبنان، لأنّ الرئيس المغفور له حافظ الأسد كان يعتبره المسؤول الأول عن الملف اللبناني.

 

كان اللبنانيون، وأعني هنا: كل اللبنانيين كبيرهم وصغيرهم، يتمنون أن يحدد لهم موعد مع «أبو جمال»، الكبار الكبار من القيادات اللبنانية كانوا يتنافسون للقاء «أبو جمال».

 

صحيح ان القرار النهائي في سوريا كان للمرحوم الرئيس حافظ الأسد، ولكن كان الأسد يستمع الى رأي «أبو جمال» وفي كثير من الأوقات كان رأيه هو الأهم بالنسبة له.

 

أبو جمال رجل ذكي جداً، وسليط اللسان، شخصيته قوية، محاور شرس، لا يخاف من أحد، صريح جداً الى حد الوقاحة في بعض الأحيان، الوحيد من الزعماء اللبنانيين الذي كان أبو جمال يحسب له حساباً بين الزعماء اللبنانيين، هو المغفور له الرئيس سليمان فرنجية، وهنا أتذكر أيام «مؤتمر لوزان»، دخل أبو جمال الى سويت الرئيس فرنجية، وقال له: يظهر أنكم لا تريدون أن تتفقوا مع بعضكم، وأنا أضيّع وقتي معكم، لذلك أفضل أن أعود الى دمشق. أجابه الرئيس فرنجية: «بيكون أفضل»، وهنا ارتبكت من هذا الحديث، وقلت: إنّ سوريا سوف تأخذ موقفاً من الرئيس فرنجية، وما إن خرج أبو جمال، قال لي الرئيس فرنجية: حضر نفسك لتعود معي بطائرة عصام فارس الى دمشق. اعتذرت منه، وقلت له إنني مضطر أن أذهب الى باريس لأنّ عندي لقاء عمل مهم جداً، وسوف ألاقيك في دمشق.

 

وهكذا حصل، رجعت الى دمشق، وفوراً الى قصر الضيافة في «أبو رمانة».. هذا القصر الذي سكن فيه المرحوم الزعيم والقائد جمال عبدالناصر أيام الوحدة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٩.

 

وصلت القصر الساعة الواحدة ظهراً، وجلست أتحدث مع المرحوم الرئيس سليمان فرنجية، في الساعة الواحدة والنصف جاء الى قصر الضيافة مدير المراسم في القصر الجمهوري الصديق الاستاذ محي الدين مسلماني، وقال إنه جاء ليصطحب الرئيس فرنجية، تلبية لدعوة الرئيس حافظ الأسد الى الغداء، وهنا قال لي الرئيس فرنجية بالحرف الواحد: «تفضل يا خواجة لنلبي دعوة الرئيس الأسد على الغداء»… وذهبت مع الرئيس فرنجية الى الغداء، وهكذا تم اللقاء بالقبلات بين الرئيسين عند بداية اللقاء، وبعد الغداء قام الرئيسان، وصعدا الدرج.. إذ يوجد درج في منزل الرئيس الأسد، وطلعنا طابقاً واحداً حيث وصلنا الى الطريق.. وهنا ودّع الرئيس الأسد، بعدما فتح باب السيارة للرئيس فرنجية وودعه.

 

أحببت أن أسرد هذه القصة كي أؤكد أهمية الرئيس سليمان فرنجية بالنسبة للرئيس حافظ الأسد… رحم الله الرئيسين حافظ الأسد وسليمان فرنجية.

 

أخيراً، لا يسعني بهذه المناسبة، إلاّ أن أتذكر أجمل الأيام في حياتي، حيث كان لي الحظ أن أرافق الرئيس المرحوم حافظ الأسد، وطبعاً كان أبو جمال يرافقه في رحلاته الى دول العالم… وهنا أتذكر رحلة الى موسكو، وكان يومها الرئيس بريجينيڤ مريضاً لم يستطيع أن يستقبل الرئيس الأسد، فسألت أبو جمال: لماذا لم يلتقِ الأسد مع بريجينيڤ، أجابني: «هذا السؤال لن أرد عليه اليوم، ولكن سيأتي يوم أقول لك فيه الحقيقة»… وهنا أتذكر أيضاً رحلتين الى جنيڤ مع الرئيس الأسد في اللقاءات التي جمعته مع الرئيس بيل كلينتون.

 

رحم الله أبا جمال وأسكنه واسع جنانه وأتقدم من عائلته السيدة حرمه أم جمال وإلى أصدقائي: أولاده جمال وعائلته وشقيقه العزيز جهاد وعائلته… تغمّد الله الفقيد بالرحمة.

 

{إنّا لله وإنّا إليه راجعون}