IMLebanon

أبو الفتوح: كيف وقع الإخوان في حبائل ماكّين

بثّ الاخواني السابق ـ المستقلّ، الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، همومه على مائدة عشاء أقامها، تكريما له، شبيهه الأردني، الاخواني المعتدل، الدكتور عبداللطيف عربيات.

الزائر المكلوم، كشف كواليس ترشيح ونجاح الإخواني محمد مرسي، ما حرمه من فرصته في رئاسة مصر، وإدارة حكم اسلامي متزن ومتوازن وقابل للحياة؛ كيف فرطت هذه الفرصة؟ يكشف أبو الفتوح المشهد.

سأل جون ماكين، خيرت الشاطر: لماذا لا ترشّحون إخوانيا في الانتخابات الرئاسية؟

انفعل الشاطر طرباً؛ فعاجله ماكين، بالقول: «نحن لا نمانع».

ويا لها من ساعةٍ مباركة التقت فيها القلوب والعقول؛ ممثّل اليمين اليهومسيحي الأميركي، وممثّل اليمين الإسلامي، يتفاهمان ويتحابّان في الله، وفي السياسة ( فعلها ماكين، لاحقا، مع أبو بكر البغدادي).

كان الاتجاه ــــ والقرار المعلَن ــــ لدى الإخوان المسلمين، هو الامتناع عن المشاركة في الترشيح للانتخابات الرئاسية الأولى، بعد سقوط الرئيس حسني مبارك؛ إلا أن الشاطر، القيادي والرأسمالي والمتنفّذ في الجماعة وحزبها، كان قادرا على اتخاذ قرار معاكس؛ وقع الاختيار على عضو ضعيف وساذج ومطيع، الدكتور محمد مرسي، ونجح، وأصبح أول رئيس إخواني لمصر في حزيران 2012، قبل خلعه في حزيران 2013؛ سنة من حكم الإخوان، قلبت الشارع المصري ضدّهم.

يسعى أبو الفتوح إلى بناء مقاربة تحمّل الشاطر شخصياً، وربما عددا من القيادات الإخوانية، المسؤولية عن الفشل التاريخي الذي أحاق بتجربة الإسلام السياسي في مصر؛ غير أن اخفاق تلك التجربة، يظل كامنا في صلب البنية الإخوانية، الفكرية والسياسية والتنظيمية.

فكرياً، لم يستطع الإخوان حسم الجدل بين التيارين، الليبرالي و»الجهادي»؛ كان الانخراط الجدي في اللعبة الديموقراطية، يتطلّب منهم الإتيان برؤية فقهية متكاملة تلائم العصر، وتعيد تأويل النص المقدس على أساس التعددية الفكرية والسياسية والثقافية والدينية والمذهبية، وتراجع، خصوصاً، مفهوم الجهاد، بحصره في مجال واحد هو مقاومة الغزاة والدفاع عن حدود الأوطان، وليس الجهاد ضد الكفار والأغيار، ومن أجل فرض حدود شرعية تتعارض مع حقوق الإنسان؛ هكذا، بقي الفكر الاخواني ضبابيا يسمح بالمقولات الليبرالية والإرهابية معا؛ يُضمر الليبرالي تأييده للتكفيريين والطائفيين والتنظيمات الإرهابية، بينما ينظر الأخيرون إلى الليبرالية كأداة مؤقتة من أجل الوصول إلى لحظة التمكين.

في السياسة، يتبنى الإخوان، منذ حسن البنا، نهجاً براغماتياً بلا حدود ولا ضوابط؛ وتاريخهم في التحالف مع بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية ضد الوفد واليسار وعبد الناصر والسوفيات، معروف؛ لكن ما هو غير معروف، قبول الاخوان الفلسطينيين، التمتع بالامتيازات والتسهيلات التي منحهم إياها الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة والقطاع، منذ 1967 حتى أوائل الثمانينات؛ بينما ظلّوا يتمتعون بدعم الملك حسين، حتى رحيله، العام 1999.

لكن المرحلة الأخطر في النهج الاخواني البراغماتي، هي تلك التي شهدناها في ما يُسمى «الربيع العربي»؛ فقد بنى الاخوان شبكة معقدة من التحالفات مع السياسيين الأميركيين والأوروبيين وأجهزة الاستخبارات الغربية والإقليمية والمنظمات اليهو مسيحية، ومع أوساط رأسمالية كمبرادورية عربية، بالإضافة إلى تشغيل الصلات والتنسيق مع شتى التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وقوى وديناميات التحريض المذهبي؛ بل وأمّن الاخوان، عبر قطر، سياقا ــــ وإنْ مضطربا ــــ للتفاهم مع الإسرائيليين؛ وقد ظنّوا أن هذه الشبكة من التحالفات، رفقة الانتفاضات في الشارع العربي، ستمنحهم فرصة تاريخية لقيادة المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد.

انعكس كل ذلك في التنظيم؛ فوضى فكرية، وانضباطا تحت نفوذ المتمولين والوسطاء السياسيين، وتداخلا فعليا مع الإرهابيين، ومداخلات وهمية في الحراك الشعبي؛ بدا هذا الحشد، بين صيف 2011 وصيف 2013، كأنه جيش عرمرم، مدعوم من الامبريالية والرجعية والرأسمالية والإرهاب والحركات الشعبية؛ لكن كل ذلك، فرط، ابتداء من صمود سوريا.

هذا الأسبوع، كشف الرئيس بشار الأسد، أمام وفد فلسطيني، كيف كان خالد مشعل يحرّض على المتظاهرين، بينما رجاله يهرّبون السلاح للإرهابيين، ويعدّون لانقلاب في مخيم اليرموك؛ هذا هو السلوك النموذجي للسياسي الإخواني المدرّب على أن السياسة ليست سوى التلوّن والكذب والملَق وانتهاز الفرص واللعب على الحبال والغدر.

يعترف أبو الفتوح بتراجع التأييد الشعبي للإخوان المسلمين؛ في الواقع، الإخوان أمسوا من الماضي؛ فالممثّل الشرعي للإسلام السياسي اليميني، اليوم، هو تنظيم «داعش»، أو لنقل: الداعشية.

حماس، لارتباطها بالقضية الفلسطينية، هي ما بقي من حركة الإخوان؛ ضاقت بها الدنيا، فلم تجد ملجأ لها سوى إيران ــــ التي كانت الحركة، لأشهر فقط، تنكرها وتتنكر لها ــــ حماس، بالطبع، ليست جادة في الخيار الإيراني، لكن تقرّبها من طهران، نجح في حصولها على عرض سعودي، يدرسه الحمساويون الآن.