IMLebanon

نحو حرب عصابات بقيادة «الجنرال ثلج»

 

على طول الطريق الممتد من مارون الراس، إلى مشارف صيدا، تنتشر أعلام حزب الله الصفراء، وصور قديمة لشهداء المقاومة ضد العدو الإسرائيلي من البدايات حتى نهاية حرب تموز 2006، وبضع صور لمقاومين سقطوا بعد القرار 1701 أبرزهم الشهيد القائد عماد مغنية، في حين لا يعثر بينها على الشهيد المهندس حسان اللقيس. البارز على طول هذا الشريط، نشر صور حديثة أكبر من القديمة، وفي حين تكتفي صور شهداء المقاومة ضد العدو الإسرائيلي بأسماء المجاهدين ومن كان منهم قائداً، فإن الصور الحديثة للمجاهدين الجدد، تتضمن شعارات «حسينية» أو السيدة زينب، ورسوماً أبرزها قبعة حديدية مزروعة بالورد. من الشعارات يُعرف أن «المجاهد« سقط في سوريا وليس في لبنان ضد العدو الإسرائيلي.

البارز في هذين الخطين من الصور، أن القديمة محدودة العدد بعيداً من ضخامة جهاد الشهداء وقتالهم ضد العدو الإسرائيلي، في حين أن الصور الجديدة إلى تزايد يومياً، وكأنها شريط بلا نهاية أو على الأقل مرهون بالخلاص من الحرب في سوريا.

السيد حسن نصرالله، انخرط في الحرب السورية بعد لقائه الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. لا أحد يعرف هل وضع المرشد السيد نصرالله، وهو يطلب منه الانخراط في الحرب، احتمالاتها خصوصاً مداها الزمني. الآن يعرف الجميع أن هذه الحرب مفتوحة على كل المخاطر والاحتمالات، خصوصاً بعد أن أصبحت جزءاً من حرب دولية المعلن فيه القضاء على داعش، وهو قمة جبل الجليد، أما الباقي فلا أحد اطلع عليه ليعرف القادم، الذي كما يبدو أنه أعظم وأخطر بكثير.

الآن، يعرف الجميع من باراك أوباما إلى المرشد، فالسيد، أن هذه الحرب طويلة، وهي بأقل التقديرات ثلاث سنوات قادمة، وهي بلا شك ستزداد دموية، خصوصاً إذا نزلت الحرب من السماء إلى الأرض، يضاف اليها أن الحصيلة النهائية للحرب تشمل «رأس» داعش، مما سيدفعها للقتال حتى الموت، وربما على المدى الطويل «رأس» الأسد، مما سيجعل المرشد الذي يقود معركة المربع الأخير يتابع انخراطه في الحرب بعيداً من كلفتها.

المهم بالنسبة للبنانيين، أن حزب الله الذي دخل بطلب إلى آتون سوريا تحت أعذار مذهبية مختلفة، لا يمكنه الخروج منها بقرار ذاتي. حتى ولو أسقطنا تبعيته لقرار الولي الفقيه، فإنه جزء من تحالف لا يمكنه الفكاك منه من دون الأخذ بالاعتبار قرار حلفائه. لذا في الواقع «حزب الله« لا يمكنه الانسحاب بسرعة، لأنه يجب ملء فراغه. خروج الميليشيات الشيعية العراقية بسبب داعش رفع منسوب مسؤولياته أضعافاً، فكيف اذا انسحب؟

«حزب الله« أقنع حاضنته الشيعية، أنه دخل الحرب لحماية مقام السيدة زينب أولاً وحماية المقاومة ثانياً. وقد نجح في تسويق خطابه هذا إلى درجة أنه عندما انتقل عسكرياً وقتالياً من مقام السيدة زينب إلى القصير وأزالها من الوجود وهجّر أهلها، أقنع حاضنته أنه يقاتل دفاعاً عنهم وأنه قام بحرب وقائية ضد داعش، علماً أن هذا التنظيم لم يكن موجوداً، وتنظيم النصرة بالكاد كان. وقام بتصوير معركة القصير وكأنها معركة ستالينغراد، من دون أن يأخذ في الاعتبار زرعه لأحقاد مذهبية، شاء أم أبى، لن تقتلع لعشرات السنوات.

معركة الجرود من بريتال إلى نحلة فالقلمون كله، تؤشر إلى تحوّل عميق في الحرب. بعيداً من التصريحات والاعترافات وغيرها، تؤكد أن الحزب ومعه الجيش الأسدي لم يفعلا في القلمون سوى التقدم نحو الغرق في «الرمال المتحركة« لحرب عصابات مكلفة على جميع الأصعدة، خصوصاً مع المواجهة الكبرى مع «الجنرال ثلج»، إلى جانب ذلك أن المقاتلين من السوريين مهما اختلفت هويتهم السياسية، بمن فيهم النصرة وداعش، أنهم يقاتلون «غزاة» إلى جانب الأسد، والأخطر انهم يلونون هذا الخطاب بالألوان المذهبية الدامية.

خروج حزب الله من الحرب غير ممكن، إن لم يكن مستحيلاً. قدرة الحزب على تحمل الخسائر من المقاتلين المتزايدة (حسب الإحصاءات المعلنة نحو 30 مقاتلاً في الشهر الواحد إضافة إلى الجرحى) مهما كابر، تتجاوز قدراته خصوصاً أنها ستتواصل على سنوات عدة مقبلة.

الفرصة الوحيدة لتخفيف خسائره هي في انكماشه العسكري بدلاً من انتشاره من دمشق إلى كسب. هذا الانكماش يمكن أن يحصل في انخراط إيراني ميداني متزايد. تشييع القتلى الخمسة من «الحرس الثوري» علناً في مشهد قد يؤشر إلى تحضير القيادة الايرانية الرأي العام الإيراني لتقبّل الخسائر القادمة، من منطلق أنها واجب مذهبي، قبل أن تكون سياسية، أساسها تمدد القرار الإيراني إلى حوض البحر الأبيض المتوسط. ما يزيد من إمكانية هذا الاحتمال أن التشييع جرى في مشهد حيث مقام الإمام الرضا، بكل رمزيته المؤثرة.

قرار «حزب الله« بالقتال شأنه. أما جرّ اللبنانيين الشيعة إلى المستنقعين السوري والمذهبي فإنه أكثر من خطأ، خصوصاً أن لبنان كله في زمن الخليفة البغدادي، يقف فعلاً وليس احتمالاً، على حافة «السكين».