يتابع العالم، قادة وشعوباً، معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية التي ستظهر نتائجها فجر اليوم، بكثير من الفضول والدهشة لما فيها من ضروب الإثارة والتشويق، قبل المقارنة بين المرشحين في لحظات ما قبل إعلان النتائج التي ستقرر من منهما سيحكم بل سيتحكم، أو أقله سيكون له تأثير خطير، على مصائر معظم الأنظمة الحاكمة (والشعوب) في مختلف أنحاء الكون.
أما المسؤولون العرب، بغالبيتهم الساحقة، ملوكاً ورؤساء وأمراء، فيتابعون هذه المعركة من موقع «الرعايا»: أكثريتهم توالي هيلاري كلينتون، ربما لأنهم يعرفون زوجها «الخائن» ويعرفون عنها ما يكفي، وقد ازداد إعجابهم بشجاعتها في اتخاذ القرار بخوض «المعركة المتوحشة» لتسجل أنها المرشحة الأولى وربما «الرئيسة» الأولى… وبعضهم افتتن بحركات «ترامب» المسرحية كما الكوميديا السوداء، فوالاه، ولو من دون معرفة سابقة، إعجاباً بمواقفه المتطرفة وبذاءته وبهلوانيته التي تَفَوَّق بها على أبأس المهرجين.
لا يهم أن أياً من المرشحين لم يظهر اهتماماً بالعرب عموماً، وبقضيتهم المقدسة فلسطين، وإن كانا قد تباريا في نفاق الناخب اليهودي، وإعلان التأييد المطلق للعدو الإسرائيلي ومشاريعه التوسعية التي تكاد تذهب بما تبقى من أرض فلسطين لأهلها، الذين سيبقون أهلها…
المهم أن المسؤولين العرب «يتعرفون» على نمط فريد من الديموقراطية في أقوى دولة في الكون، لم تذهب قوتها الأسطورية بحق رعاياها في «انتخاب» من يختارون لرئاسة دولتهم العظمى… بغض النظر عن أن كلفة المعركة الانتخابية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات، يدفع معظمها أصحاب الشركات الكونية هائلة القدرات لأنها طرف في المعركة بمصالحها).
حتى أن هؤلاء «القادة» العرب الذين يفترض معظمهم ويتصرفون على أنهم من «رعايا» هذه الدولة العظمى، بل من «الأتباع»، وبعضهم قد يتباهى بذلك، يتساءلون بشماتة عن مصير «أقرانهم» الذين كانوا يوالون الاتحاد السوفياتي ويتباهون بأنهم «حلفاؤه» على طريق تغيير العالم بالفكر الاشتراكي.
لقد تغير الكون، دولاً وتحالفات ومؤسسات دولية (الاتحاد الأوروبي نموذجا)، وتعذر حتى الساعة، قيام منظومة دول فاعلة، كمحور عدم الانحياز في عصر قادته العظام (نهرو، عبد الناصر، تيتو، نكروما، سيكوتوري …الخ).
بل إن الشعوب قد هزمت في معارك تأكيد حقها بتقرير مصيرها بإرادتها الحرة، وهيمن «الاستعمار الجديد»، أو «الإمبريالية» وبالتفوق العلمي الساحق إضافة إلى القوة العسكرية الهائلة والهيمنة الاقتصادية التي تكاد تشمل معظم دول الأرض، على الشعوب وقرارات دولها، باستثناء قلة منها بينها روسيا والصين وإيران (مع الإقرار بتأثيرها عليها بهذه النسبة أو تلك).
إن الشعوب اليوم (بدولها) درجات: حلفاء الماضي صاروا اتباعاً أو «بيوت خبرة»، أما أعداء الماضي الاشداء فقد اندثروا… وأما شعوب «العالم الثالث» التي قبعت على أقفيتها تتابع وقائع الفولكلور الانتخابي الأميركي، فتبدو مبهورة بهذه الديموقراطية التي تقرأ أو تسمع عنها أو تتفرج على وقائعها المثيرة بالإجراءات المعقدة للعملية الانتخابية في أقوى وأغنى دولة في العالم… مذهولة بأن المعارك الضارية بين المرشحين تجري على الشاشات، وأمام الجماهير المحتشدة من دون صدامات دامية وسقوط المئات أو الآلاف من ضحايا الرصاص الطائش الذي تطلقه الكيدية والرغبة في فرض الرأي وقهر المنافس… حتى الموت!
لقد توجه حوالي 226 مليون ناخب لاختيار واحد من مرشحَين اثنين: رئيساً هو الخامس والأربعون، أولهما هيلاري كلينتون التي دارت الفضائح الجنسية لزوجها ـ الرئيس بيل كلينتون وكظمت غيظها، واستفادت منه ـ بتاريخه السياسي ـ كداعية ومروج، كما أفادت من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما كمدير لحملتها الانتخابية، بكفاءته الاستثنائية كخطيب مثقف، أما الثاني فملياردير فظ هو خليط من المهرج والمستغِل الجشِع الأمِّي سياسياً والعنصري تجاه السود والعرب.
على أن الإثنين يتنافسان على مناصرة إسرائيل ودعمها وتعزيز تفوقها على العرب مجتمعين، متعاملين معها بوصفها القاعدة الأميركية الثابتة في هذا الشرق المنكوب بقادته الذين يكرهون شعوبهم ويرون في الديموقراطية رجساً من عمل الشيطان… فكيف إذا كان أحد المرشحين الأميركيين، والعياذ بالله، إمرأة (والمرأة عندهم حرف ساقط ولا يجوز أن يكون لها رأيها، فكيف يكون لها صوت فضلاً عن أن تكون رئيساً)… (والرئيس لا يؤنث!).