من يحرر الموصل من «داعش»؟ الأكراد يسعون إلى أن يكونوا في الطليعة. الحكومة العراقية تريد مشاركة «الحشد الشعبي» الذي «أثبت قدرته على القتال في الرمادي والفلوجة وصلاح الدين». الأميركيون يفضلون أن يبقى «الحشد» خارج المدينة. جنود أردوغان يرابطون خارج «أسوارها» في انتظار ساعة الصفر، رئيس وزرائه يتهم «الحشد» بالطائفية، ويصر على المشاركة في المعركة «للمحافظة على نسيجها السني». العشائر منقسمة بين موالية للحكومة ومعارضة. آل النجيفي (أسامة وأثيل) لديهم ميليشياتهم الخاصة وهي «على أهبة الاستعداد». المرجعيات الدينية الشيعية والسنية لديها آراؤها المتضاربة. إيران «الصامتة» مطمئنة إلى أن العبادي لن يخذلها. البرلمان لا كلمة له.
جميع «المحررين» مختلف مع جميع «المحررين». لكل أهدافه وبرامجه بعد «داعش». بارزاني يريد إضعاف الدولة المركزية أكثر. يكرر في معظم تصريحاته أنه لن يتخلى عما حررته «البيشمركة» بالدم. هدفه إقامة إقليم آخر مستقل عن بغداد، وإجراء استفتاء على ضم أجزاء «متنازع عليها» من نينوى إلى سلطته. يدعمه في ذلك جزء من الإيزيديين والشبك والنجيفي. تركيا تستعيد أمجاد السلطنة. تستخدم المعركة لتثبيت نفوذها وإغراء البارازينيين لاستبعاد حزب «العمال الكردستاني». تعتمد ما لديها من رصيد طائفي لإقناع الموصليين بعدوهم العراقي من الطائفة الأخرى. لا يهمها ادعاء بغداد عليها أمام مجلس الأمن، ولا تفهم رد فعله، على ما قال بن علي يلدريم. تعتبر وجود جنودها مسألة طبيعية، وسط هذه الحشود من القوى الخارجية. ترى أنقرة في النفوذ الإيراني في بغداد منافساً قوياً. طهران مطمئنة إلى نفوذها في الجنوب وفي البرلمان والحكومة وعبر «الحشد الشعبي» عسكرياً، والأكراد الطالبانيين في السليمانية قرب حدودها.
أما الولايات المتحدة التي أخرت وتؤخر تحرير الموصل فتربط بين استعادة المدينة والوضع في الجانب السوري. تعرف واشنطن تماماً أن الموصل مرتبطة بمعارك حلب. ولا تريد أن تنهي الوضع فيها قبل تثبيت وجودها في سورية، من خلال جماعات تدربها وتسلحها وتضفي عليها صفة الاعتدال. فشلها في هذه المهمة مرة بعد مرة، ودخول روسيا الحرب دفعاها إلى التردد في طرد «داعش» من نينوى. وأطلق جنرالاتها تصريحات كثيرة عن عدم جاهزية القوات العراقية.
قبل أسابيع أعلنت واشنطن أن «حلفاءها» السوريين، خصوصاً وحدات حماية الشعب الكردية، في طريقهم إلى تحرير الرقة، لكنها سرعان ما تراجعت، بعد احتجاجات تركية قوية. وحماستها الآن لمعركة الموصل لا تعني لها سوى طرد «داعش» من المدينة في اتجاه سورية لخلق مزيد من الإرباك والفوضى للروس المصرين على استعادة شرق حلب.
هذا الوضع المعقد في المشرق، وغياب استراتيجية عربية واحدة، وغرق أهم بلدين بدماء أبنائهما الذين أصبحوا فرقاً وشيعاً، يتيح للجميع التوغل في هذا المستنقع، ولكل هدفه. والتقسيم سيد الاستراتيجيات. فعن أي تحرير يتحدثون.