IMLebanon

حول المادة 95 وتفسيرها!

 

«ولا يصحّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل» المتنبي

المادة 95 من الدستور اللبناني عدلت بموجب 18/1990

تاريخ بدء العمل: 21/09/1990

 

على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم، بالاضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:

 

أ – تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

 

ب – تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الاولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.

 

قرأت وراجعت المادة 95 من دستورنا مرات عدة لأبحث عن الثغرات التي تحتاج إلى تفسير دفعت رئيس الجمهورية لتحويلها إلى مجلس النواب. النقطة الوحيدة التي قد يكون بعض الإبهام هي في الفقرة ب من المادة التي تقول «وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني» وهي بالتأكيد قد تستدعي التأويل في حال فصلت عمّا تقدّمها وما تلاها من كلام محدد ودقيق بخصوص إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، وهنا تأتي وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني لتؤكد على ما سبق ولا تفتح بابا للتأويل خاصة عند عطفها على استثناء وظائف الفئة الأولى التي تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص للوظيفة. بالمحصلة فإنّ هذه الفقرة واضحة وضوح النهار ولا تحتاج إلى تفسير.

 

أما الكلام الآخر حول الفترة الإنتقالية ووضعيتها، فتلك الفترة الإنتقالية تبدأ بإقرار وثيقة الوفاق الوطني وتحويلها إلى دستور، وليس من الجائز ربطها بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، مما يعني أن المادة 95 تصبح نافذة منذ إعلان الدستور ومن ضمن مقتضياتها إلغاء مبدأ المناصفة في الوظائف العامة ما عدا الإجراء الموقت بالمناصفة في الفئة الأولى، وما فوقها من مواقع سياسية وغيرها تبحث في آلياتها الهيئة التي يجب أن يدعو لها رئيس الجمهورية، ومن الواضح أنّ تأخّر رئيس الجمهورية عن الدعوة لها يشكل خللاً دستورياً لكنّ الدستور لم يحدد المهل، وقد يكون من المفيد طرح المادة للنقاش لتحديد موعد إنشاء الهيئة وإلزام رئيس البلاد بمواقيتها!

 

ورغم ذلك، فلنناقش قضية المناصفة الكاملة في مختلف وظائف الدولة لنؤكد نقضها لمبدأ الكفاءة وحسن سير مؤسسات الدولة. فمن ناحية الوقائع المثبتة، فإنّ مَن تقدّم من المسيحيين لوظائف الدولة أقل بكثير من النسب الإفتراضية للمسيحيين في لبنان. والمعدل العملي هو أقل من عشرين بالمئة من المتبارين لوظيفة في الدولة بمختلف أشكالها، مقابل ثمانين بالمئة من المسلمين. وإذا دخل هؤلاء في مباريات للتعيين فقد يحتاج مبدأ المناصفة الإلزامية إلى تخيض معدل النجاح للمسيحيين وبالتالي حرمان مسلمين أكثر كفاءة من الوظيفة، ما يعني إدخال موظفين غير أكفّاء إلى سلك الدولة لمجرد المناصفة.

 

ومَن يظن أنّ القضية نظرية فما عليه إلّا مراجعة المنتسبين إلى آخر دورة لقوى الأمن الداخلي حيث رسب مسلمون بمعدلات عالية ونجح مسيحيون بأقل من نصف معدل راسبين على أساس المناصفة. وبالتالي فإنّ المصلحة العامة للبلاد التي تقتضي أن نعزز الوظيفة في الدولة بالكفاءة والجدارة ستتلقى ضربة جديدة سيتضرّر منها الجميع بمختلف طوائفهم، فلا أظن أنّ المواطن سيفرق معه دين الموظف عندما تعلق مصالحه في مكان ما من أجهزة الدولة. وهذا غيض من فيض…

 

ولكن لنعد إلى مسألة المادة 95 التي ستعود في السابع عشر من تشرين الأول المقبل لتزور مجلس النواب للتمحيص. وأنا أعتقد أنّ الكثيرين من النواب سيدعون رئيس الجمهورية إلى تحديد موعد تشكيل وانطلاقة أعمال الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية. ولكن طرح الأمر سيذهب حتماً إلى اصطفافات خطرة، ففي حال رفض الطرح القائل بالمناصفة في كل شيء من قبل نواب مسيحيين، سيتهمّون حتماً بخيانة طائفية الطابع، وقد تستخدم تلك الواقعة ضدهم في الإنتخابات المقبلة. وفي حال حصل التعسكر والإنقسام بشكل طائفي، أي بين مسلمين ومسيحيين، فإنّ هذا الجدل سينعكس حتماً على المزاج العام، وسيفتح مجالاً للتفاهة الطائفية لتحكم وسائل التخاطب، المريضة أصلاً، في وسائل التواصل الإجتماعي، هذا على أقل تعديل إن كنا متفائلين.

 

لذلك، فإن كانت هناك «مقتضيات للوفاق الوطني» فإنه من الأجدى ومن الحكمة التي يفرضها موقع رئيس البلاد، أن يسحب الطلب الخاسر أصلاً من حيث المنطق، وعدم فتح الباب على المزيد من الجدل غير المتحضّر بين مكوّنات بلدنا المهتزّة أصلاً، والذهاب حسب الدستور الذي أقسم على رعايته لإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية!