Site icon IMLebanon

عن «داعش غير الأصلية»

قال لي صديقي الذي من طرابلس أن جاره غادر إلى سورية، والتحق هناك بـ»داعش» غير الأصلية. لا أدري لماذا استدرجتني عبارة «داعش غير الأصلية» إلى ضحك متواصل أعقبه بعض تأمل بما يُمكن أن يُبنى على عبارة «… غير الأصلية».

وقبل البدء بعرض صور من هذياناتي حول «داعش غير الأصلية»، يجب الإشارة إلى أن الأخيرة ليست اختراع صديقي، إنما هي شبه حقيقة. نعم هناك «داعش غير أصلية» تقيم هناك في جبال القلمون السورية، وهي عبارة عن فصائل سورية كانت جزءاً من «الجيش السوري الحر» أصيبت باليتم جراء فقدانها وسائل الدعم وطُرق الإمداد ونفاذ الذخائر، فأعلنت مبايعتها «داعش»، وانضمت كجماعات إلى التنظيم، لكنها بقيت خارج أطره التنظيمية وخارج تشكيلاته المقاتلة، تأتمر به من خارجه، ويؤمن لها هو التمويل وخطوط الإمداد. لكن الثقة ليست مطلقة بها، ويتولى التنظيم اختبار ولائها، ثم يقوم بتحويل من «يصلح» من بين عناصرها لجذبه إلى متن التنظيم.

هذه هي «داعش غير الأصلية»، والعبارة التي ابتكرتها العامة، وجرى على لسانها، لوصف العلاقة بين «داعش الأصلية» وهذه الفصائل، هي في الحقيقة تلخيص لم أشعر أنه مبتذل، لواقع مبتذل. ذاك أن عبارة «داعش غير الأصلية» مستمدة أيضاً من وعي لطالما اختبر سلعاً وأفلاماً وألواناً غير أصلية. لفترة من الزمن كنا نسمي البضائع الصينية بأنها سلع «غير أصلية»، ولاحقاً صرنا نسميها تايوانية. اليوم لدينا «داعش غير الأصلية»، وما دفعني إلى الضحك عندما سمعت بالعبارة، هو أن عبارة «داعش التايوانية» لاحت في ذاكرتي. ولاحقاً قلت لماذا لا، فـ»داعش» فرنسية وبريطانية وتركية وعراقية وسورية وكل شيء، فلماذا لا تكون تايوانية.

والحال أن كلمة «داعش» نفسها عبارة فُرضت على التنظيم، وهو لا يحب أبداً أن يســمى بها. بدت العبارة أقوى من رفض التنظيم الإرهابي لها. كانت المعركة الوحيدة التي انتصرنا فيها عليه. قلنا له أنت «داعش» رغماً عنك! لم يتمكن من دحضها ومن ابتلاعها على رغم القصاص الذي أوقعه بمن لفظ العبارة. «داعش» صار «داعش» ولا شيء غير ذلك. قناتا الـ»بي بي سي» والجزيرة التزمتا عبارة «تنظيم الدولة»، الأولى بسبب أصُولية لسانية ومهنية، والثانية كان دافعها وجداني، لكن ذلك لم يحل بين التنظيم وبين اسمه.

الآن وُلدت «داعش غير الأصلية»، تلك الفصائل التي تُقاتل مع «داعش» وتأتمر بها، لكنها ليست جزءاً من التنظيم. ثم أن التسمية قد تمتد لتشمل الكثير الكثير من الوحدات المقاتلة مع «داعش» من دون أن تكون جزءاً من جسمه الأيديولوجي. العشائر التي أعلنت مبايعتها التنظيم في العراق وفي سورية، وضمت مقاتليها إلى وحداته هي أيضاً «داعش غير الأصلية». وبعض تنظيمات البعث التي ضمها الجسم الفضفاض لـ»داعش» هي أيضاً غير أصلية. المجموعات المسلحة التي هاجمت مؤخراً بلدة رأس بعلبك اللبنانية كانت من «داعش غير الأصلية» إذ أن مقاتليها التحقوا مؤخراً بالتنظيم بعد أن أمضوا سنوات في تشكيلات أخرى.

الملتحقون اللبنانيون بـ»داعش» القلمون هم دواعش غير أصليين، فيما الملتحقون بالتنظيم عبر تركيا، فهم يهدفون للوصول إلى «داعش» الأصلية. من باب التبانة يتوجهون إلى «داعش غير الأصلية» ومن منطقة المنكوبين فوراً إلى «داعش» التي يعتقدونها أصلية. ذاك أنهم في التبانة يفعلونها عبر منطقة القلمون هرباً من مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم بفعل ممارسات شارعية، أما من منطقة المنكوبين فيغادرون إلى تركيا ومنها إلى سورية مُصممين على بلوغ «داعش الأصلية».

لكن يبدو أن «داعش» كلها غير أصلية، وهذا من باب تعظيم خطرها لا من باب التشكيك بتماسكها، ذاك أن التنظيم استجمع قوته من عناصر شديدة التفاوت وقليلة الانسجام. هذا ما يجعله «غير أصلي»، أي أنه بلا أصل. «سلفية جهادية» مذهبية ملقحة بجنوح غربيين وممزوجة بغضب عشائريين وبخبث بعثيين وبظلامة مهمشين. لا يُشكل ذلك أصلاً حتى تكون «داعش» أصلية، لكنه مولد للعنف وللموت، وهي بهذا المعنى أصلية فقط على نحو ما هو الموت أصلي فينا، وكذلك على نحو ما هو العنف أصلي فينا.