لن ينتهي الجدال الحار عن «داعش» قبل أن ينتهي هذا الـ«داعش».. لكن لا يمكن «شرعياً» قبل ذلك الأوان، سوى تأكيد كون وظيفته الأساسية، من جملة وظائفه الكثيرة، هي الفتك بكل من يصنّف في خانة العداء للمحور الأسدي الإيراني.
.. وأياً تكن المسافات والكيانات وهويّات هؤلاء الضحايا! من أوروبا الغربية إلى تركيا، إلى اليمن مروراً بمعظم مكوّنات المعارضة السورية، عدا عن دول الخليج العربي عموماً والسعودية خصوصاً.
وفي عالم «داعش» وأصحابه الشرعيين لا مكان للصدف.. ولا لمحاولة التمويه. بل الغريب هو ذلك الإصرار من قِبَل المنظومة الإعلامية والسياسية الممانعة على إرفاق كل عملية إرهابية أينما كان مركزها، بتلك الأسطوانة المشروخة التي فيها، «أن الإرهاب ارتد ويرتد على داعميه».. ثم «تذكير» المستهدَفين والضحايا بالبيان التأسيسي لعملية الفتك بالثورة (السورية خصوصاً وتحديداً) والذي يقول إن البديل عن النظام القائم هو ذلك الإرهاب، ولا شيء غيره!
أخطر أو أحدث نتاجات «داعش» كان التفجير الانتحاري الذي استهدف مجنّدين في عدن قبل يومين.. مع أن الضحايا، تبعاً للتقسيمات الداعشية ذاتها، هم جميعاً من النسيج المذهبي الذي يدّعي التنظيم العدمي الصدور عنه، أو الانتماء إليه، ومع أن هؤلاء الذين قتلوا، وعددهم 71 شاباً، كانوا جزءاً من تركيبة سياسية تقاتل مشروعاً إيرانياً واضحاً تحت عناوين حوثية يمنية وأخرى تتصل بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح!
قبل عدن واليمن، استُهدفت تركيا في أبرز مدنها، وصار «داعش» يسابق الإرهاب الكردي، والعكس صحيح! وكذا الحال مع فرنسا والفرنسيين تبعاً لموقف باريس الأكثر حدة من أقرانها في أوروبا، تجاه بقايا سلطة الرئيس السوري السابق بشّار الأسد! وقبل ذلك كله، كان استهداف السعودية ومحاولة المسّ بأمنها القومي واستقرارها الوطني واستهداف، أو محاولة استهداف الكويت للغايات ذاتها.
وفي الإجمال، ما كان «داعش» في العراق قاتلاً ومقاتلاً سوى للبيئة التي ينتمي إليها، قبل أن يؤدي استفحال عبثه ودمويته واستنزاف وظائفه، إلى إعادة تظهير معطى العداء مع المكوّن الآخر المسيّر بالإرادة الإيرانية.. في حين أنه في سوريا، كان ولا يزال، ومنذ لحظات انبعاثه الأولى، قاتلاً ومقاتلاً لكل من قال إنه معارض للأسد وطغمته! وكثيرون من أهل التوثيق والتدوين والمراقبة يستطيعون تقديم أدلة وقرائن لا تُجادل، عن عدم خوض «داعش» هذا معركة واحدة حقيقية وفعلية، لا ضد بقايا قوات الأسد ولا ضد الميليشيات المذهبية التي جاءت بها إيران إلى سوريا على مدى المرحلة الماضية، الممتدة منذ حزيران 2014 إلى اليوم!
المعروض هنا ليس جديداً، لكن ضجيج الحرب المتصاعدة ضد «داعش» والسباق القائم بين المحاربين الساعين إلى تفطيسه في الموصل من جهة وفي الرقّة من جهة ثانية، يدلاّن على أن مشغّليه الحقيقيين سيعمدون، في المرحلة الراهنة، إلى تكثيف استخداماته وتوسيعها والاستفادة منها، حتى آخر لحظة، وفي السياق العريض الذي يستهدف، مرة أخرى، كل المعارضين للمحور الإيراني (الأسدي) من اليمن إلى سوريا، وما بينهما وخارجهما، إذا أمكن؟!
في عالم الإرهاب هذا تغيب الصدف! ولا تحضر إلا الدقّة المغلّفة بالعشوائية! أي أن يكلف هذا الإرهاب العبثي والعدمي والموبوء والموسوم بالفوضى تبعاً للطابع الشمولي لعملياته، بمهام محددة ومرسومة على المسطرة! والغريب أن قادة «الحرب العالمية على الإرهاب» يعرفون بالتأكيد، وبالتفاصيل المملّة، الفاعلين والمشغّلين، والأهداف والغايات، لكنهم بدورهم لا يتورعون عن الاستفادة القصوى من هذا الواقع، طالما أنه في مكان ما يقدّم خدمات استراتيجية لا تقدّر بثمن، في مقابل خسائر لا تزال هامشية ومحمولة بالنسبة إليهم!