Site icon IMLebanon

عن «الديموقراطية» الإيرانية…

أسفرت عملية غربلة المرشحين إلى البرلمان الإيراني عن شطب أكثر من نصفهم، معظمهم من الذين ينتمون إلى التيار الإصلاحي في إيران. كما أسفرت عملية تشحيل الأعداد المرشحة إلى مجلس الخبراء عن إقصاء معظم الإصلاحيين. يمكن القول أن نتيجة «انتخابات» مجلس الخبراء حسمت لمصلحة جماعة الحرس الثوري وغلاة المحافظين، وهي مسألة مهمة في المرحلة الراهنة من تاريخ إيران، نظراً إلى أن مجلس الخبراء سينتخب المرشد المقبل.

تذكّر عملية منع الترشيحات في إيران بالأحزاب الشيوعية في العالم، خصوصاً أيام المعسكر الاشتراكي، حيث كانت هناك دائماً لجان ترشيحات تحدد من يحق له الترشح، في الانتخابات البرلمانية أو في مؤتمرات الأحزاب التي ستحدد قيادة الحزب. هذه المقاربة بديهية في ظل نظامين يتسمان بالديكتاتورية والصلاحيات المطلقة للولي الفقيه من جهة وللأمين العام من جهة ثانية. وظيفة البت المسبق في الترشيحات، قبولاً أو رفضاً، هدفها تأمين قيادة موالية توافق على القرارات المتخذة من دون أي معارضة، وتمنع بالتالي وجود معارضة سياسية قد تهدد موقع السلطة القائمة، بل والنظام الشمولي القائم.

من حيث الشكل، في إيران كما في الدول الشيوعية، هناك مؤسسات وهيئات تنتمي إلى الديموقراطية في مفهومها الذي رست عليه، خصوصاً منها مقولة الانتخابات. لكن هذه الديموقراطية فاقدة جوهرها الحقيقي المستند أساساً إلى حرية التعبير وإبداء الرأي وفق برنامج سياسي محدد، والتكوّن في أحزاب سياسية معارضة قولاً وفعلاً. هذا المضمون، معطوف على الممارسة القائمة على القمع واعتقال المعارضين وقتلهم أو نفيهم، تجعل من الديموقراطية الإيرانية، كما الشيوعية، كاريكاتوراً بكل معنى الكلمة.

لم تكن المرة الأولى التي يعمد أركان النظام الإيراني من الملالي إلى الحد من دخول إصلاحيين أو معارضين إلى الانتخابات، لكن ميزة هذه الانتخابات، هذه المرة، أنها تأتي في سياق وضع إيراني تعتمل داخله التناقضات ويقف أمام محطات مصيرية في مستقبله، ما يفرض وجود سلطة متماسكة لا تعكر صفوها معارضات من هنا وهناك ونزول إلى الشارع دفاعاً عن الحريات على غرار ما شهدته إيران عام 2009 عندما تم تزوير الانتخابات الرئاسية التي منعت مير حسين موسوي من الفوز بالرئاسة، فيما أتت بأحمدي نجاد على رأس السلطة تنفيذاً لإرادة المرشد وحرسه الثوري.

بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، انتعشت موجات ليبرالية في إيران، خصوصاً في وسط الشباب الذي يشكل أكثر من 65 في المئة من الشعب الإيراني، والذي يتوق إلى حياة بعيدة من قيود النظام الملالي وقوانينه. لا يحمل هذا الجيل، في معظمه، العداء للغرب، بل هو يتوق إلى نموذجه في الحياة. عبّر الشباب عن رفضهم نمط الحياة الإيرانية من خلال التظاهرات التي انتشرت بقوة بعد الاتفاق النووي، وتأييداً له. لم تعد مقولة «الموت لأميركا» و «الشيطان الأكبر» تقنع هذا الجيل، ما دفع القيادة الإيرانية إلى إعادة أيديولوجيا العداء لأميركا من خلال مقولة «الحرب الناعمة» التي يشنها الغرب على إيران لتقويض مفاهيم الثورة وقيمها.

يحتاج الحكم الإيراني إلى تشديد قبضة الحكم مستقبلاً ومنع قيام معارضة، في مواجهة المعضلات الاقتصادية الكبيرة وحال الفقر التي «ينعم» بها معظم سكان إيران، ومواجهة الفساد المستشري، خصوصاً لدى «العسكريتاريا» الإيرانية. إن الخروج من العزلة الاقتصادية ستكون خاضعة لشروط المجتمع الدولي، وهي شروط لا تتناسب مع القواعد التي يسير عليها النظام، حالياً، ولا يعني الإفراج عن الأموال المجمدة تجاوزاً لها.

يهرب النظام من مواجهة معضلاته الداخلية بالتدخل في الدول العربية وإثارة النعرات الطائفية فيها، والانخراط العسكري في القتال الدائر في بعضها، وهي كلها تكلف إيران مبالغ مالية باهظة، وخسائر بشرية غير قليلة بدأ الإفصاح عنها أخيراً بعد أن كان ممنوعاً الإعلان عنها. خلافاً لادعاءات النظام، إن غالبية الشعب الإيراني لا ترغب بمثل هذا التدخل الذي تأتي كلفته على حساب حاجات هذا الشعب. معظم الذين يزورون إيران ويحتكون بالفئات الشعبية الواسعة يكتشفون أن الشعب في واد وقياداته في واد آخر. لا تهم الإيرانيين الثورة السورية أو الحوثيون في اليمن أو الإغداق على «حزب الله»، أو حتى دعم القضية الفلسطينية ولو كان كلاماً، بل هناك نظرة عدائية إلى هذه القضايا لأنها تتسبب في إنفاق مبالغ طائلة يحتاجها الشعب الإيراني لتحسين معيشته.

لا يمكن القول أن إيران على أبواب انقلاب دراماتيكي مضاد للسلطة القائمة في المستقبل القريب. لكن المؤكد أن قبضة القمع والعنف ضد أي معارضة ستكون أكثر شراسة بالنظر إلى تضخم المعضلات الداخلية وسيرها إلى مزيد من الاحتقان.