حديث وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آرولت، الأسبوع الماضي، عن أنّ احتمالات تقسيم سورية تلوح في الأفق، يقود إلى الحديث عن تداعيات ذلك، وعن المستفيدين من سيناريو كهذا. وهو ما أشار إليه الوزير بالقول أن «سورية المفيدة»، التي تشمل غرب البلاد والمنطقة الممتدة من حلب إلى دمشق ومنطقة اللاذقية الساحلية ومدينة حمص، ستكون تحت سيطرة النظام، في مقابل وجود «داعشستان» تحت سيطرة «داعش».
بمعنى آخر، فإنّ «داعش»، في ظل المنبوذية المحلية والإقليمية والدولية التي يعانيها، يفضّل خيار التقسيم الذي قد يوفر له بناء «كانتون» يمارس عليه السلطة والنفوذ والأيديولوجيا. وهذه الأخيرة، وفي الشكل الذي يتبناها فيه التنظيم الإرهابي، غير معنية بفكرة الوطن أو سيادة الدول وحدودها واعتبارات مكوناتها ومصالحها.
والواقع، أنه لو سُئل الفاعلون المحليون والإقليميون والدوليون في سورية عن رأيهم في شأن «سورية الجديدة»، فستكون الأرجحية لمن يؤيدون أن تظل سورية موحدة ولا تُقسّم. لكنّ الأسئلة الكبيرة تتعلق بـ «كيفية الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها» و«ضمان الحفاظ على المؤسسات الحكومية بما فيها القوات العسكرية والأمنية مع إصلاحها في شكل كامل، وبحيث تعمل تحت قيادة مدنية يختارها الشعب السوري وتكون مسؤولة أمامه»، كما جاء في وثيقة رسمية أوروبية نشرت «الحياة» مضمونها الشهر الماضي.
وربما تكون إسرائيل وحدها من يفضّل سورية مقسّمة على سورية موحدة، لأنّ ذلك قد يمنحها غطاء شرعياً لفكرة الدولة اليهودية، كخيار قومي – ديني ضيق يتمثّل «الغيتو»، أسوة بدويلة علوية أو كردية مفترضتين، مع أنّ من يعترض على هذا التحليل يذهب إلى أنّ سورية موحدة حكمها الأسد الأب والابن كانت «بلا خطر جدي» على إسرائيل طيلة عقود، إلا إذا قدّرتْ تل أبيب أنّ أي سورية موحدة اليوم تحت حكم الأسد لن تكون كما كانت طيلة عقود، بخاصة في ظل اختراق طهران والضاحية الجنوبية لبيروت المؤسسات السياسية والأمنية السورية وإمساكهما بالثقل الأكبر على الأرض في مناطق «سورية المفيدة».
والمرجح أنّ إيران قد تكون في دائرة من يجد مصالحه في سورية مقسّمة (مفيدة) من شأنها تسويغ السياسات الطائفية والتعبئة المذهبية والتحشيد الأيديولوجي الذي قد يجد من الأولى لمصالحه ضمان تواصل المصالح الإيرانية على مسارين: الأول، يكمن في الطموح إلى تواصل النفوذ الجغرافي على خط العراق – سورية – لبنان، وضمان موطئ قدم إيراني في المتوسط، والثاني على خط بيروت – سورية المفيدة، مع أنّ أكلاف المسار الأخير ستكون عالية جداً على «حزب الله». وهي نقطة قد تكشف عن عدم مطابقة في التقدير بين الضاحية وطهران، لكن ليس في مقدور الحزب الإعلان عن أي طيف استقلالي في قراره في هذا السياق. وهو، على الغالب، سيتجه وفق سيناريو كهذا إلى مزيد من «العسكرة» داخل لبنان وعلى الحدود مع سورية لضمان مصالحه ومكتسباته، وهو أمر سيستنزفه على المدى البعيد، وسيجعله على المدى المتوسط يصطدم بالفرقاء المحليين، على وقْع العسكرة والقضم المتصاعد من سلطة لبنان الرسمي والأطراف الداخلية الأخرى.
وإذا كانت الوثيقة الأوروبية اشترطت أن يكون الاتفاق بين الفاعلين في سورية على مسار انتقال سياسي يحظى بموافقتهم والتزامهم الكامل، كيلا يكون هشاً أو غير مستدام، فإنها وجدتْ أن ركائز اتفاق كهذا ينبغي أن تتأسس على اللامركزية أو تفويض السلطات، والمصالحة، وصولاً إلى إعادة الإعمار.
الملخص، حالة سورية ليست وحدها التي تستدعي من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة بناء استراتيجيات متماسكة تلحظ إخفاق الحلول العسكرية لأزمات الشرق الأوسط، وتبحث عن المقاربات والتسويات السلمية الممكنة لحل هذه الأزمات، ويبدو أنّ الفيديرالية أو اللامركزية تقدّم «طريقاً واعداً» في سورية وليبيا واليمن يفوق في إيجابياته الحديث عن وحدة قسرية انفجرت سوءاتها في شكل حروب أهلية مدمرة في غير بلد عربي منذ ست سنوات، كما يفوق في إيجابياته الحديث عن تقسيم ناجم، ليس في الحقيقة عن تفاهمات وتوازنات عقلانية ومدروسة، وإنما عن عدم معالجة ذاك الانفجار… أو ستر سوءاته!