IMLebanon

حول شراكة القمام مع الضواري 

«ومن البلية عذل من لا يرعوي عن غيه وخطاب من لا يفهم« (المتنبي)

الحيوان القمام ليس بالضرورة من محترفي أكل البقايا من فرائس الضواري، ولكنه عندما يفشل في الصيد يبحث عن بقايا ما شبعت من أكله حيوانات أكثر قدرة على الإفتراس مثل السباع والدببة والنمور، أما حيوانات القمامة فتشمل الضباع والثعالب وبعض الطيور والحشرات والطفيليات… 

قد تظن تلك الحيوانات في لحظة ما أنها شريكة الضواري في الغنائم، ولكن بقايا الفريسة كماً ونوعاً تبقى رهناً بشبع الضاري الكبير، ولا توجد أي مؤشرات بأن الأكبر يترك للقمام عن قصد ما يسد به رمقه، أو أنه في وقت من الأوقات يعتبره شريكاً في الفريسة، إلا إذا كان القصد هو التخلص من القمامة. 

أما القمام فله من الوعي الكافي ليعرف بأنه ليس شريك الكبار في الفريسة عندما يقتات ببقاياها، وهو موقن بأنه نفسه فريسة محتملة للضاري في أي وقت من الأوقات، إما جوعاً أو لمجرد إثبات القدرة. 

عند البشر الوضع لا يختلف كثيراً، فالأقوى هو دائماً الرابح الأكبر، أما الضعفاء فلهم الإنتهازية وبقايا المرابح وأحياناً بعض جوائز الترضية، وقد يتحولون هم ذاتهم إلى ضحايا أو أدوات لتسويات.

لنأخذ مثلاً ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، نظرياً كان لها في أوروبا خمس دول حليفة في «المحور»، فإلى إيطاليا كانت النمسا ورومانيا وبلغاريا والمجر، وحتى الإتحاد السوفياتي كان شريكاً في غزو بولندا سنة ، أما اليابان فقد كانت في ملعب آخر من دون شريك مباشر في الحرب.

عدا إيطاليا، لا أظن أن أحداً يذكر دور الدول الأخرى الحليفة للعملاق النازي. ستالين، زعيم الإتحاد السوفياتي العظيم الذي طمع بالشراكة مع هتلر في بولندا، تحول بسرعة إلى فريسة مع انطلاق عملية «بربروسا» سنة عندما اجتاح أربعة ملايين ونصف المليون جندي من المحور الجزء الأوروبي من الإتحاد السوفياتي. 

أما إيطاليا ذاتها، فقد فشل قائدها موسوليني في الحفاظ على كل المواقع التي كان يحتلها، فأتى النازي ليحل مكانه في اليونان ودول البلقان وشمال افريقيا وحتى في إيطاليا نفسها، وتحول «الدوتشي» إلى مجرد طرطور في حضرة «الفوهرر«.

الحال ذاته في تحالف الدول التي أتت بعد الحرب العالمية الثانية، فعملياً كان المعسكر الشرقي مختصرا بروسيا، والغربي بالولايات المتحدة الأميركية، أما أعضاء المعسكرين من دول صغيرة أو متوسطة، فكانوا في معظم الأحيان أدوات أو حتى ساحات للتنازع والتضحية ليس إلا. 

المصيبة هي في من لا يقرأ التاريخ، وإن قرأه فلا يستنتج العبر المناسبة، وإن فهم العبر فهو يظن أنه أفطن وأقوى ممن سبقه!

مسرحية هزلية تلك التي ظهر فيها قادة وأتباع الممانعة، من كبارهم لصغارهم، منذ الدخول الروسي المدوي على الساحة السورية.

فجأة أصبح خامنئي وسليماني وبشار ونصر الله وعون وكل المدفوعي الأجر والناطقين بإسم الممانعة من منتحلي صفة محلل سياسي أو استراتيجي إلى مهرجين أو مداحين، كلهم حلفاء الأخ الأكبر، القائد الملهم فلاديمير بوتين. 

أصبح ضابط المخابرات الشيوعية السابق فجأة قائداً من قادة مشروع ولاية الفقيه، أو رئيساً لعصابة من الشبيحة في قوات الأسد. 

بالنسبة لهؤلاء أتى بوتين لإنقاذ مشروع ولاية الفقيه، ولإعادة وصل وسط الهلال المذهبي، وتصليب عود الممانعة ليس في وجه إسرائيل، بل في وجه من ضاق ذرعا بالطغيان والظلم، ومن ثم سينسحب الدب الروسي إلى سباته الشتوي بعد إتمامه المهمة، التي فشل فيها بشار والمالكي ونصر الله وسليماني، ليسلم مفاتيح المدن والقرى إلى حلفائه الفاشلين.

نحن تعلمنا الدروس من زمن، فالدول تسيرها المصالح والقوي لا يشارك الضعفاء بل يستخدم الأتباع، فيأخذ حصة الاسد ولن يبقى للاسد واصحابه إلا القمامة، أما المهرجون والزائفون والمزورون والفاشلون فلن يشعر بغيابهم أحد.