Site icon IMLebanon

عن تحذير «حزب الله» والحكومة.. و«الدعسة الناقصة»

مَن يضع «البيك» على حافة الهاوية؟

عن تحذير «حزب الله» والحكومة.. و«الدعسة الناقصة»

استجابت المصيطبة لتمنيات الأصدقاء، وهدأت «العاصفة»، لكن الاعتكاف أو الاستقالة أو أي خطوة احتجاجية من قبل رئيس الحكومة تمام سلام، ما تزال جمراً تحت الرماد.

قال الرئيس تمام سلام إنه ليس متسرّعاً ولا متهوّراً، تاركاً الباب مفتوحاً للسير في كل الاتجاهات. وأحد الوزراء الذي يفترض أنه في صفه، قال على باب السرايا «آخر الدواء الاستقالة».

قام سلام بنصف عودة إلى «حياته الحكومية»، إلا أن سلوك النصف الآخر لم تكتمل شروطه بعد، ويبقى الرهان على ليونة قوى الاشتباك السياسي التي عليها أن تتحمّل المسؤولية.

ولكن كما هو واضح عشية جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم الثلاثاء، إن الرهان على تلك الليونة خاسر، كمن يراهن على سراب، خاصة أن ثمة «سيناريو» عرضه أحد الوزراء عن جلسة اليوم، خلاصته: لا اتفاق على الآلية، و «المسار الاشتباكي» التي تنتهجه بعض القوى، قد يدفع الحكومة الى أن تأخذ إجازة طويلة.

وربطاً بهذا السيناريو، ينقل عن أحد الوزراء قوله لأحد السياسيين ما حرفيّته: «يبدو أن الحكومة قررت أن تصيّف.. لدي معطيات تؤكد وجود توجّه لأن تتعطل الحكومة، على الأقل، حتى شهر تشرين المقبل».

على أن هذه «العودة المؤقتة»، وكذلك العاصفة التي سبقتها، تبقى محل تساؤل: ما الذي دفع حكومة تمام سلام الى حافة الهاوية؟ ما الذي دفع سلام لنفي ما تردد عن تقديمه استقالته؟ هل ارتكب في الأساس «دعسة ناقصة» بملامسة المحرّمات، عبر الإيحاء بأنه بصدد الاعتكاف أو الاستقالة؟ هل ثمة من أهل البيت الحكومي مَن دفع به الى ارتكاب هذه «الدعسة الناقصة»؟ وما الذي دفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى هذه الحدة في الخطاب تجاه أهل الحكومة، واعتماد لغة النهي والحزم: «لا تسقطوا الحكومة بأيديكم»، وتحذيره مما سمّاها «لعبة خطيرة»، ومن أخذ البلد إلى الفراغ فالمجهول؟

لعل تلك العودة المؤقتة، تراعي ما عكسته الاتصالات التي قيل إنها انهمرت على المصيطبة، من خشية على الاستقرار الداخلي السياسي والأمني.. والخوف من انحداره الى منزلقات خطيرة يصبح من الصعب احتواؤها، بل إن أكلافها قد تكون باهظة على بعض القوى السياسية في لبنان، بينما لا يستفيد من هذا سوى الطرف القوي الذي يملك كل الإمكانات، والمقصود هنا «حزب الله».

لعله القطوع الأصعب الذي تمرّ به حكومة سلام. الملتصقون به يشهدون أنه «مشمئز.. وكيله يكاد يطفح، لكن ما زال لديه قليل من الصبر في كعب الفنجان، وقد ينفد في أي وقت، وساعتئذ فلتتدحرج الكرة، وليتحمل كل مسؤوليته».

لا يعني نفي تمام سلام الأنباء التي ترددت حول تقديمه استقالته، أن الأمر انتهى. وعلى ما يقول الملتصقون به، فإن الاساس بالنسبة الى سلام هو «الحفاظ على السلطة التنفيذية».. وهو ما يزال يسعى لتأمين مستلزمات انعقاد مجلس الوزراء، لكن من دون أن يلمس تجاوباً.

ليس سراً أن مشكلة سلام هي مع ميشال عون، المغطّى من حلفائه وفي مقدّمهم «حزب الله». وليس سراً أنه متهم من قبل عون وحلفائه بأنه يمارس سياسة غيره، وأنه يحاول الاستئثار ومصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، وبأنه انقلب على الآلية التوافقية والميثاقية التي جرى اعتمادها لإدارة مجلس الوزراء في مرحلة الشغور الرئاسي، وكيفية اتخاذ القرارات.

المتفهمون لموقف سلام يقرأون ظلامة تلحق بالرجل، ويطرحون المسار الذي انتهجه تحت الضوء:

ـ مارس قناعاته، ولم يعط أية إشارة الى تمسكه بالكرسي، وقوّته أنه متحرر من الحسابات والمصالح الشخصية والحزبية. ومنذ اللحظة الاولى لتكليفه تشكيل الحكومة، يقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا ينحاز إلى جانب فريق على حساب آخر. وتاريخه ونهجه يشهدان أنه كان وما يزال حريصاً على التوازن الداخلي.

ـ يدرك أن حكومته ليست حكومة لون واحد أو رأي واحد، بل هي حكومة ائتلافية جسمها مرهف، كالزجاج، قابل للكسر بسبب التناقضات التي تحكم بعض مكوناتها. وتبعاً لذلك، التزم حمايتها وإبعادها عن الصواعق المنفجرة وإبقاءها بمنأى عن النزاعات السياسية. كما التزم الحفاظ على الحدّ الممكن من إنتاجيتها، التي مع الأسف لم تكن بالمستوى المطلوب.

ـ التزم الحؤول دون تعطيلها بذريعة أن التوافق ممر إلزامي لاتخاذ القرارات. فلا يجوز شل الحكومة وفق مزاجية هذا او ذاك، أو من أجل شخص، موظفاً كان او غير موظف، أو بحجة عدم وجود توافق بين كل الوزراء على هذه القضية أو تلك، لأن الحكومة في هذه الحالة تصبح أسيرة هذا الفريق او ذاك، فضلاً عن أن التوافق لا يعني الإجماع. ومن حق الرئيس إن وجد بعض الوزراء يعارضون لأسباب غير مقنعة، ألا يقف عند اعتراضهم، حرصاً على شؤون الناس ومصلحة الوطن.

ـ أكد للجميع، بالممارسة، أن لديه مخزوناً مهماً من الصبر، وأنه طويل البال والنفس، أما صبره كرئيس للحكومة، فله حدود. وبالتالي الكرة ليست في ملعبه، بل في ملعب الآخرين.

لكن، ماذا في المقابل؟

تلك الرياح الآتية من جهة المصيطبة، وما حملته من تلويح بخطوات معينة قد يلجأ اليها رئيس الحكومة، ومن ضمنها احتمال تقديم استقالته، زرعت لدى بعض القوى السياسية، الخشية من أن تكون مقدّمة لعاصفة سياسية يجري التحضير لها في مكان ما من قبل عقل «مغامر ومتهوّر»، وثمة من أشار مباشرة الى السعودية. ومن هنا كان الدخول المباشر للسيد حسن نصرالله على الخط محذراً: لا تغلطوا.. وحافظوا على حكومتكم!

في قراءة المرتابين من التطورات الحكومية الأخيرة، أن نصرالله ما كان ليقاربها بهذه الحدّة لو لم يكن مستشعراً أمراً ما يُحاك في بعض الغرف. وهناك في هذا الجانب من تراءت له في حرائق النفايات التي هبّت دفعة واحدة في شوارع بيروت، حرائق الدواليب التي أطاحت حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي.. فجأة تتأزم المشكلات، وتتفاقم مشكلة النفايات، وكأن ثمة من يحاول تسخين الامور ودفعها الى التأزم الأقصى، بتطيير الحكومة، بما يدفع الى حشر الجميع وأخذهم الى المكان الذي يريده، عبر تخييرهم بين الفراغ الكلي، مع ما يستتبع ذلك من تهديد للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وبين الذهاب إلى إجراء انتخابات رئاسية كيفما كان، تمكّن هذا «الفريق المغامر» من الإمساك بالرئاستين الاولى والثالثة.. لاحقاً!

ولعل اللافت للانتباه في هذا الجانب، هو أن أصحاب هذه القراءة ينظرون بشيء من التعاطف مع سلام، لكونه موجوداً حالياً بين ما يسمّونها مجموعة «شواقيف»:

ـ «الشاقوف» الاول، أزمة النفايات التي افتعلت من قبل مَن يُفترض أنهم حوله، والتي ذهبت بهيبة حكومته.

ـ «الشاقوف» الثاني، معروف عن سلام أنه ليس صاحب منهجية صدامية او صراعية، وعلى ما يبدو أن هناك في بيته السياسي، من لا يريد له أن يستمر في نهجه التوافقي الذي انتهجه لحظة توليه رئاسة الحكومة. وهو إذا كان شعاره الدائم انا لا أعمل إلا على قاعدة التوافق، فما الذي حصل لكي يخرج على هذا التوافق؟ هل هو قرر ذلك بإرادته أم أن الراعي السياسي المحلي والإقليمي هو الذي ضغط في هذا الاتجاه؟

ـ «الشاقوف» الثالث، السعودية، التي يبدو أنها ستهجم في كل الساحات العالقة فيها، لتوسيع دائرة نفوذها وتجميع ما أمكن لها من أوراق، قبل الدخول في زمن التسويات في المنطقة. واذا كانت «تستميت» لتحقيق انتصار في اليمن، وكذلك في العراق وسوريا.. وأيضاً في لبنان الذي لم تخف يوماً رغبتها في السيطرة المطلقة عليه، ليس فقط عبر رئاسة الحكومة المرتبطة بها، بل عبر رئاسة الجمهورية أيضاً. وربما هي تعتقد أن الظرف مؤات اليوم لخطف رئاسة الجمهورية، نظراً لأن الكل محشورون في لبنان، وفي مقدمهم «حزب الله»، المشغول في حربه في سوريا. وبالتالي لن يستطيع أن يفعل شيئاً، سوى إعلاء الصوت.

في هذا الجزء، تبدو اللعبة مكشوفة، يقول المرتابون من التطورات الحكومية الأخيرة، ومن هنا جاءت رسالة السيد حسن نصرالله إلى كل من يعنيهم الأمر ومفادها: «لا يخطئنّ أحد ويعتقد أننا محشورون.. بل على العكس من ذلك، نحن قادرون على التعاطي مع كل الاحتمالات، ولن نسمح لأحد بأن يخطف البلد لا بلحظة نفايات، ولا بلحظة تهديد».

ـ «الشاقوف» الرابع، أنه لا يستطيع الاستقالة، حتى ولو كان راغباً في ذلك، فإن قرّر الاستقالة فلمن يقدّمها؟ ومن يقبلها أو يرفضها؟ ومن يكلفه تصريف الأعمال؟ هل يقدمها لمجلس الوزراء مجتمعاً؟ هل يقدمها لنفسه باعتباره رئيساً لمجلس الوزراء الموكلة اليه صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن ثم يكلّف نفسه تصريف الأعمال.. ام يقدمها الى الشعب اللبناني على قاعدة اللهم اشهد أنني قد بلّغت؟

خلاصة الأمر، في رأي هؤلاء المرتابين، فإن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه تمام سلام في حال أقفلت الأبواب وقرر اتخاذ قرار، هو الاعتكاف.. حتى إشعارآخر.