Site icon IMLebanon

عن تقيّة «حزب الله» السياسية.. بعد العسكرية

عملية قلب الحقائق وتزويرها وحرف الوقائع عن مسارها، تحوّلت إلى مهنة ثابتة لدى «حزب الله»، يبرع في حياكتها وفي نسجها بالطريقة التي تخدم مصالحه ومصالح حلفاء له، قلّوا في الداخل وكثروا في الخارج، ضمن سياسة ينتهجها عنوانها، الكيل بمكيالين يُمارس «تقيّته» فيها ويدّعي مظلومية يشهد هو نفسه على مدى الظلم الذي يُلحقه بنفسه وبأبناء بيئته قبل غيرهم.

في بيانها أمس اتهمت كتلة «الوفاء للمقاومة» اعتماد تيّار «المستقبل» و«ملحقاته» كما ادعت، ممارسة سياسة التفرّد والتهميش والاستعلاء بحق الشركاء في الوطن وإمعانهم في تخريب الدولة ومؤسساتها الدستورية، وغيرها من الاتهامات التي تقع في خانة الأضاليل وحرف أنظار اللبنانيين عن ممارسات ما زال يرتكبها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، آخرها إغراقهم في حرب دمويّة لا يزال دخان الموت يعلو سماء بلدهم من جراء انغماسه فيها، ويجرّهم إلى حرب استنزاف طويلة لا أفق لنهايتها حتّى ولو كثرت الوعود المتكررة بـ«النصر».

القاصي والداني يُدرك أنه وعلى عكس «حزب الله»، ليس لتيّار «المستقبل» مُلحقات ولا أتباع، بل شُركاء في الوطن والمواطنة، وهذه مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي كرّست مبدأ المناصفة في لبنان بين شقّيه المسيحي والإسلامي، وهو خير دليل ورد على إدعاءات «حزب الله» وبيانه التصعيدي بحق «المستقبل» وحلفائه، والذي حاول أن يقف فيه عند خاطر النائب ميشال عون الذي فشل في لعبة حشد الجماهير وتحريك شارع لطالما ادّعى تمثيله له، وبالتالي أراد تسليفه مواقف يُمكن تسديدها على دفعات في الوقت الذي يحتاج فيها الحزب نفسه الى من يُسانده في أزمات تُلاحقه أصبحت كظلّه من مكان إلى آخر وتجعله يفقد صوابه السياسي بعدما أفلت لأكثر من مرّة العقال لضوابط سلاح حوّله هو نفسه إلى ما يُشبه مؤسّسة للإيجار لا تبغي سوى الربح وتخريب البلد وبث الفتن بين أهله.

«حزب الله» الذي عجز عن الوقوف إلى جانب عون في تحرّكه ومطالبه، ذهب في بيان كتلته إلى اتهام الفريق الآخر في الوطن بجعل لبنان ممراً للإرهابيين وملاذاً آمناً لهم، ودعاهم «إلى فتح منافذ لإعادة الحركة للمؤسّسات وتأمين مصالح الناس». ينسى الحزب أو يتناسى كعادته، أن استهداف الإرهاب للبنان، المُدان أصلاً جملة وتفصيلاً من كل فئات الشعب اللبناني، لم يكن ليحصل لولا تدخله في حرب لم تدرّ عليه وعلى البلد بأكمله سوى الخراب وبالتالي فإن كل كلامه في هذا المجال يصب في مصلحة عملية التجييش التي يفتعلها بهدف رفع مسؤولية الدماء التي تسقط عن عاتقه وتحميلها إلى فئة رفضت إشراكه في ذبح الشعب السوري أو أقلّه منحه صك براءة في حربه العبثية التي يقودها تحت شعارات زائفة ومُضلّلة في هذا المجال.

ومن جملة ما يتناساه «حزب الله» إغلاقه لمصالح الناس ولمؤسسات الدولة التي يتندّر اليوم للدفاع عنها والتي حمّل «المستقبل» مسؤولية تعطيلها، لكن هل سألت قيادة الحزب نفسها عن تعطيل حزبها عملية انتخاب رئيس للجمهورية وإصراره إمّا على عون رئيساً وإمّا الفراغ، وهل سألت نفسها وهي التي تتباكى على مصالح المواطنين، عن إغلاق أكثر أرباب العمل لمؤسسات تقع معظمها ضمن مناطق سيطرته لأسباب يقف هو وراءها منها تكريس منطق الأمن الذاتي في مناطقه وتحديداً الضاحية الجنوبية التي أغلق معظم منافذها بوجه التجّار وقيّد حركة أهلها وجعلهم حالة منغلقة على ذاتها؟

يبدو أن مبدأ «حزب الله» السياسي والعسكري يقوم على أمر وحيد وهو، أن في انتصاراته نكبة لأبناء الوطن وفي هزائمه نكبات. فمثلما حوّل «انتصار» تموز العام 2006 إلى جحيم للبنانيين في السابع من أيّار العام 2008، ها هو اليوم يحوّل هزائمه في سوريا وتحديداً في «القلمون» و«الزبداني» إلى وعود بـ«انتصارات» إلهية وهمية.