ما بين ٢٠٠٥ و٢٠١٥ لم يتمكن تحالف قوى ١٤ آذار من انجاز الكثير من استراتيجياته وطموحاته بفعل ظروف اقليمية وداخلية قسرية حالت دون تغيير ميزان قوى مختل أصلا لمصلحة خصومه ولا سيما منهم “حزب الله” الذي ظل وسيظل يشكل حالة الاستقواء على مشروع ١٤ آذار بطبيعة التصادم المبدئي والواقعي بين المشروعين والحالتين. مع ذلك يصعب التنكر موضوعيا للأثر الكبير الذي تمكن التحالف من احداثه وترسيخه سحابة عشر سنوات بحيث لم تجنح الدولة، على رغم كم هائل من أخطار وتضحيات وشهداء، نحو ذاك الشيء الآخر المناهض لطموحات تاريخية اجمعت عليها قواعد التحالف منذ قيامه. ليس في هذه الحقائق ما يملي اعادة التذكير بها ولكن ما يجري على مستوى المعركة الرئاسية وتداعياتها يبرز بقوة اكبر خطورة التقليل من انكشاف انعدام التوازن بالكامل في حال مضت احوال تحالف ١٤ آذار في تدهورها الراهن. ثمة كثير مما يحبط في سلوكيات هذه القوى ومناحراتها الذاتية التي اوصلت الامور في توقيت هو الاخطر اطلاقا الى زج التحالف في زاوية الانفجار من الداخل على قاعدة الخيار بين مرشحين رئاسيين للتحالف الخصم. وليس أسوأ من هذا المصير سوى بعض وجوه التعامل السياسي مع هذه الازمة المتدحرجة كأنها صنيعة ترف معهود فيما هي تنبئ واقعيا بان انتقال المعارك السلطوية الى ملعب ١٤ آذار على قاعدة الاختيار بين مرشحين خصمين يشكل إيذانا بنهاية دراماتيكية لهذا التحالف لا يمكن تجميلها. وليس مبالغة ان تشكل واقعة تفرد لبنان وانفراده عن الاجماع العربي الذي حصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل ايام آخر النماذج الناطقة الحية لفقدان آخر معالم التوازن الداخلي بفعل المعارك الداخلية الصامتة التي تخوضها قوى ١٤ آذار وتجعل خاصرة الحكومة والحكم بصورته الرمزية رهنا باختلال ميزان القوى. حتى في قضية مبدئية صارمة كهذه لم تقف قوى ١٤ آذار صفا متماسكا صارما واقتصر الاحتجاج على فريق او اكثر فيما كانت ملابسات المعارك الصغيرة الاخرى تشغل معظم الآخرين. مرت صورة لبنان الفاقد كل بقايا استقلاليته في اتخاذ قرار يعرضه لعزلة عربية محتملة من دون رفة جفن لان ميزان السياسة الخارجية صار انعكاسا حرفيا لواقع المعارك الرئاسية الجارية، فكلا المرشحين الان هو حليف الحلف الاقليمي الذي دانه بيان القاهرة ولا من يناهض الانزلاق نحو ترسيخ سياسات محورية سيدفع لبنان ثمنها الباهظ ليس في عزلة بل في تهميش قاتل لصورة بلد تسبغ عليه تهمة التبعية لايران بأسوأ نعوتها. فمن تراه سيضمن في كل يوم الا تتكرر هذه السياسات الآخذة بلبنان قدما نحو تبديل جذري في صورته من دون حاجة الى انتظار انقلابات ما دام الانقلاب حاصل على هذه الوتيرة الدراماتيكية ؟