Site icon IMLebanon

عن لافروف والصدقية

 

غريب جداً أن يخضع «بيان فيتنام» الذي أصدره الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، في شأن الوضع السوري لكل ذلك التأويل المتضارب، بعد ساعات قليلة على إعلانه.. وهو الذي كان حصيلة مشاورات ونقاشات ومفاوضات بين مسؤولين من الطرفين على مدى الشهور الماضية.

سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، كرّر أمس ما كان قاله بعض المسؤولين في موسكو لجهة عدم دقّة الاستنتاجات والقراءات والتحليلات المتعلّقة بنقطة مركزية هي الخاصة بتوافق الطرفَين في بيانهما على «ضرورة بقاء سوريا دولة موحّدة ومن دون عناصر أجنبية على أرضها». وهو ما يُفهم منه تحديداً وخصوصاً، أنّ المقصود في ذلك إيران والميليشيات المذهبية التي أحضرتها للمشاركة في قتل السوريين وتخريب ديارهم وتهجيرهم ومحاولة اللعب بالميزان الديموغرافي لهم، وبالجغرافيا السكنية الخاصة بانتشارهم.. طالما أنّ «العناصر الأجنبية» الأخرى جرى ويجري معالجة أمرها تحت عنوان الحرب على الإرهاب.

على أنّ لافروف ذهب أبعد من ذلك وركّز على أمرَين رئيسيَّين. الأول هو أنّ موسكو «لم تتعهّد» بضمان انسحاب إيران وملحقاتها. وأنّ «وجودها» في سوريا «شرعي». والثاني هو أنّ «وجود قوى التحالف الدولي بقيادة واشنطن غير قانوني» (أو شرعي!) وأنّ هذه القوى «تدعم المعارضة على الأرض بشكل واضح».

ووصل الوزير الروسي الى حدّ اتّهام واشنطن بدعم «الإرهاب»! وحاول تبرير عودة «داعش» إلى السيطرة على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، باتّهام الأميركيين «بمحاولة عرقلة الضربات الجوية الروسية لأهداف داعشية» خلال هذه المعركة!

كيف يمكن استيعاب كل هذه المتناقضات في أداء قوى عظمى؟ وهل يُعقل أن يخضع بيان مُوقّع عليه من قبَل رئيسَين مثل ترامب وبوتين لكل هذا التأويل المتضارب! والترجمات المختلفة! والقراءات المتنافرة! وهل يمكن تصوّر حجم هذه الدربكة التي لا تليق حتى بجماعات حزبية محلية في دولة صغيرة ومنكوبة؟ وكيف يمكن بالتالي استشراف أو توقّع مآلات الأمور في نكبة كبرى مثل النكبة السورية؟ والابتعاد بعد ذلك عن الأخذ بالفكرة القائلة بأنّ الوضع السوري صار معقّداً إلى درجة الاستحالة. وأنّ لا شيء يقينياً ودائماً فيه سوى استرخاص دماء السوريين! والمتاجرة بهم في سوق بلا أخلاق! وعلى طريقة العرض والطلب في بورصات المال!

.. وهناك على ما يبدو الكثير من ذلك في مواقف لافروف الغريبة: كأنّه يتحدث عن البوكمال و«الوجود» الإيراني ثم الأميركي فيما عينه فعلياً على حقول النفط والغاز في منطقة دير الزور! بحيث يبدو أن سبب غضبه الأول هو سيطرة جماعة «قسد» المدعومة أميركياً على «حقل التنك» في شرقي المدينة وضمّه الى حقلَين آخرين كانت سيطرت عليهما في وقت سابق، بما يحرم بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد ورعاتها من مصدر رزق كبير وضروري وحيوي! أو كأنّه يحاول تهدئة أعصاب الإيرانيين وبيعهم أي كلام! أو «طمأنة» الطاغية في دمشق الى أن «وقته» لم يحن بعد! أو إنه يتدارك خللاً تقنياً سمح بكشف «كل» بنود «بيان فيتنام» أو غير ذلك من الأسباب، التي لا تقلّل في أي حال، من وطأة الغرابة في مواقفه، ولا من استسهال بلاده ضرب صدقية «تفاهم» أو «اتفاق» بينها وبين الولايات المتحدة، وإظهار كل ذلك الازدراء بمصير شعب عربي ومسلم، والتصرف إزاء نكبته وكأنّها فعلاً لا قولاً فقط، ليست سوى حقل اختبار لأحدث الأسلحة الروسية!!