IMLebanon

عن الحوار القوّاتي ـ العوني  

بهدوء ومنهجيّة يسير الحوار القوّاتي ـ العوني وبتؤدة، بعيداً عن التسريب والضجيج، وهذا أمرٌ يضمن سلامة واستمراريّة الحوار، وصولاً إلى نهاياته المرجوّة التي يتمنّاها مسيحيّو لبنان، فالتشرذم المسيحي طوال ما يقارب ربع قرن من الزّمن، كلّف لبنان بمسلميه قبل مسيحيه أثماناً باهظة جداً، كان أقلّها «تهميش» الدّور المسيحي الفاعل في الحفاظ على هذه البقعة «الرسالة» في الشرق، وسقوطه فريسة ولقمة سائغة لاحتلال النظام السوري، ناهيك عن كونه كاد يُكلّفنا «وجود لبنان» الكيان والدّولة، إلى آخر ما هو معروف من هذه الخسارات الكبرى…

والمتّتبع للأجواء العامة لهذا الحوار على الأقلّ في أوساط القواتيّين على مواقع التواصل الاجتماعي يُلاحظ «التزاماً» تاماً من قبلهم بالحرص وحماية أجواء الحوار، إلا أنّ هذا الالتزام لا يُخفي «نقزة» من تجارب مُرّة سبق وتجرّعوا كأسها وانتهت إلى حروب طاحنة، لكنّ ما فات القواتيّين برغم «الالتزام» أنّ العام 2015 غير العام 1988 والعام 1990، ولبنان اليوم غير لبنان الرازح في ذاك الوقت تحت أثقال الحروب الأهليّة والسّلاح الذي كان لغة التخاطب الوحيدة لبعض الأفرقاء، ونحن أيضاً لنا نفس مخاوفهم ومحاذيرهم و»نقزتهم» من أن لا يفضي هذا الحوار إلى اتفاق، أو أن يسفر عن زيادة التشققات في الجسد المسيحي الواهن، ولكن، مع فارق واحد يجعلنا نتمنّى إن لم يتوصل هذا الحوار لحلّ أزمة رئاسة الجمهوريّة، فإنّه بوعي «الحكيم» وإصراره هذه المرّة أيضاً على إنقاذ لبنان، فإنّ هذا الحوار سيجمّد زيادة التفسّخ في العلاقات المسيحيّة التي ستدخل مع هذا الحوار إلى أرض ثالثة توقف النزف المستمرّ، حرصاً على المسيحيين وعلى لبنان…

وهنا لا بدّ لنا من ملاحظة ما نُقل عن النائب وليد جنبلاط عن هذا الحوار ـ كمتابع من بعيد ـ إذ رأى أنّ «الحوار بين «القوات» و»التيار الوطني الحر» قد يغيّر المشهد لا سيما أنّه من المستبعد أن يقدّم ميشال عون أو سمير جعجع أيّ تنازل لمصلحة الآخر»، هذه «القطعيّة» في الرأي الجنبلاطي، تخالف إتقانه للعبة السياسة ولإدراكه أنها أرض متحرّكة، وبأمانة شديدة نقول: لا نريد أن يتنازل الدكتور سمير جعجع عن ترشحه الرئاسي لمصلحة النائب ميشال عون، وندرك أيضاً تمسّك ميشال عون بترشحه على عكس الدكتور جعجع، وأنّ عون قد لا يتنازل لأي أحد وليس لسمير جعجع فقط، وذلك لأن الدكتور جعجع يُدرك جيّداً أن الاتفاق على شخص الرئيس أمر يتعلّق باللبنانيين مجتمعين، ولا يتعلّق فقط بشخصه وشخص ميشال عون، وندرك أيضاً أنّ القوات اللبنانيّة دخلت هذا الحوار لأسباب عدّة وعلى مستويات متعدّدة، وأنها تسير به خطوة خطوة، وأنّ «الرئاسة» هي آخر خطواته، عسى ولعلّ يتوصّل المتحاوران في «ملفّ الرئاسة» على الانسحاب لمصلحة ثالث يقف في منتصف الطريق بين جميع الفرقاء.

وإذا نظرنا صوب «القواتيّين» فنظنّ أنهم يعلمون جيّداً، أن هذا الحوار له أعداء كثيرون، فإذا كان الحوار والتقارب الإسلامي ـ المسيحي ممنوع بقوّة الاحتلال، وتم منعه على مدى أربعة عقود، فإنّ الحوار المسيحي ـ المسيحي أشدّ خطورة ورفضاً من مجموعة الاحتلال وأذرعها في لبنان، فالوحدة المسيحيّة هي مقتل كلّ المعادين للبنانيين وطوال العقود الماضية اتكلوا على الخلافات الدمويّة بين المسيحيين، وأنّ هذه الحروب العبثيّة بينهم لن تقيم لمسيحيي لبنان قائمة، لذا على الجميع وعي أهميّة المرحلة التي يشكّلها الحوار القواتي ـ العوني، خصوصاً أنه أثبت خلال الفترة الماضية أنّه حوار جدي، وجدّي جداً…