«اللقاء ليس كافياً لانتخاب رئيس»، ما قاله الرئيس نبيه بري بالأمس ـ وهذا أفضل ما قرأناه بالأمس ـ عن لقاء المصالحة وترشيح ميشال عون من معراب شديد الدقّة والموضوعيّة، وأغلب الظنّ أنّ هذا الموقف التاريخي من معراب سيجد من يتكتّل ضدّه وبحدّة من المسيحيّين قبل الفرقاء من الطوائف الأخرى، أمّا أسوأ ما قرأناه فما نُقِلَ عن مصادر مسيحية مؤيدة للنائب سليمان فرنجية وصفت ما حصل في معراب بالقول «هو أقرب إلى «مجزرة إهدن» سياسية، تستهدف اغتيال ترشيح رئيس تيار المردة»!!
هذا وصف له العجب، يفرض علينا فتح ملفّ محاولات المصالحة المارونية في العام 2008، وأيّ «مجزرة إهدن» سياسيّة يجري الحديث عنها، ولإنعاش الذاكرة الفرنجيّة كان العام 2008 عام محاولة كبرى لإجراء مصالحة مسيحية لكنّها باءت بالفشل بسبب سليمان فرنجية نعود إلى أرشيف جريدة الشرق لهذا اليوم الاثنين 6 تشرين الأول من العام 2008 «اصطدمت المصالحة المسيحية – المسيحية بشروط تتعلق بمكان تحقيقها والمعنيين بحضورها»، وفي 11 تشرين الأول 2008 أعلن النائب القواتي أنطوان زهرا أنّ «كل شرط للمصالحة خارج اقتراح الرابطة (المارونيّة) إهانة لها وللرئيس (العماد ميشال سليمان» وهنا لا بدّ من فتح صفحات تلك المصالحة.
كأن التاريخ يعيد نفسه؛ كانت الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2008 أشهر حوار ومصالحات بعد أحداث 7 أيار المؤلمة بين الأطراف المستقبل وحزب الله، قابلها أيضاً جهود حثيثة قامت بها الرابطة المارونية ـ تحت رعاية غبطة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ـ سعياً لمصالحة مسيحيّة كبرى، ويومها جرى التأكيد على «احترام مرجعية بكركي في مجمل عملية المصالحات على الساحة المسيحية باعتبار أن ما يجري هي مصالحة سياسية بين قيادات مسيحية متخاصمة سياسياً وليست مصالحة مسيحية – مسيحية، لأن الخلاف ليس على أمور دينية وإنما سياسية بامتياز».
ومن مفارقات تلك المساعي المصالحاتيّة آنذاك إبداء سليمان فرنجية رغبة بالمصالحة مع سمير جعجع، ثم تراجع فجأة مشترطاً حضور الجنرال ميشال عون لقاء المصالحة لسلب بكركي ورئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال سليمان رصيد رعايتهما للمصالحة ومنحه للجنرال ميشال عون.
وهنا أيضاً علينا إنعاش الذاكرة اللبنانيّة المتخمة بالأحداث وثقوب النسيان، في 9 تشرين الأول من العام 2008 أطلّ سليمان فرنجيّة عبر شاشة الـ otv مع الزميلة ماغي فرح ليقول: «لا أستبعد أن يتمّ اغتيالي بأدوات سلفية لإخلاء الساحة المسيحية لجعجع، سواء تمت المصالحة معه أم لم تتمّ»، وبالطبع لا حاجة للتوقّف عند هذا الكلام «الركيك» الذي مرّ عليه ثمانية أعوام ولم يرشقه أحد بوردة، وبات واضحاً بعد فضيحة قضيّة ميشال سماحة من يفجّر ويغتال في لبنان!!
يومها أيضاً كرّر سليمان فرنجية في مقابلته مع ماغي فرح «ترحيبه بالمصالحة مع قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، شرط حضور النائب العماد ميشال عون كراع إضافي للمصالحة لا كطرف، ورأى أنه قد يكون المطلوب من المناورة التي يقوم بها جعجع جر المسيحيين الى الاقتتال لمصلحة طرف آخر خارجي» وأيضاً لا حاجة للتعليق على أوهام جرّ سمير جعجع المسيحيين إلى الاقتتال لمصلحة طرف خارجي!!
ويومها أيضاً وفي نفس المقابلة وجّه سليمان فرنجية سؤالاً لسمير جعجع عن سبب رفضه حضور العماد عون للمصالحة، برعاية رئيس الجمهورية ومباركة بكركي، موضحاً أنه يرفض عقد أي لقاء مع جعجع في بكركي بل يصرّ على عقده في القصر الجمهوري»، بل طالب فرنجيّة «أن تتمّ المصالحة بقلوب بيضاء، معتبراً أن رفض جعجع لمشاركة عون تهدف الى عقد مصالحات ثنائية تفيد جعجع، وتقسم الشارع المسيحي»!!
من المحزن أن تكون مصلحة المسيحيين «ألعوبة» بحسب المصلحة الشخصيّة، وأعجب العجب أنّ سليمان فرنجيّة الذي اشترط في العام 2008 حضور ميشال عون لإتمام المصالحة مع سمير جعجع يعتبر أن ما جرى في معراب «مجزرة إهدن» سياسيّة بحقّه، هذه العقليّة «الحقودة» والكيديّة الشخصيّة إنّما تؤّكد المخاوف والحذر من انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهوريّة!!
مؤسف حال المسيحيين ومحزن، على الأقلّ هذا ما أشعر به كمواطنة لبنانيّة مسلمة تُدرك أنّ لبنان لن تقوم له قائمة ما لم تتمّ المصالحة المسيحيّة ـ المسيحيّة، وبأسىً شديد ترى المصلحة الرئاسيّة الشخصيّة والأنانيّة والشخصانيّة تتحكّم بمصير المسيحيين اللبنانيين الذين توقّع وليد جنبلاط يوماً أنهم في طريقهم إلى «الإنقراض»…
أمام هذا المشهد المسيحي المؤسف، ينطبق على الحال النادرة التي ارتكبها سمير جعجع في تجاوز أنانيته وترشيح خصمه السياسي ميشال عون ـ مع قناعتنا التامّة بأنّه لن يصل إلى قصر بعبدا ـ قول شاعر العرب الأكبر أبو الطيّب المتنبّي في قصيدته التي تحمل اسمين «مصائب قوم عند قوم فوائد» و»عواذل ذات الخال فيّ حواسد»: «فلا تعجبا إن السيوف كثيرة/ ولكنّ سيف الدولة اليوم واحدُ»!