حين تخاض المعارك استناداً إلى ضعف الخصوم
نقل الوزير السابق سليم جريصاتي عن العماد ميشال عون قوله أمس «إن الأفرقاء السياسيين مأزومون في الاستحقاق الرئاسي، ولا سيما تيار المستقبل الذي تبدو عليه علامات الإنهاك».
لا يمكن التشكيك في مثل هذا الكلام. «تيار المستقبل» مأزوم ويبحث عن مخارج لأزمات متراكمة ومتعددة، ويتعثر. من أزمة رواتب الموظفين الى أزمة الخيارات الرئاسية وما بينهما من ثقل الأعباء، يحاول البحث عن مبادرات لكسر الأطواق المتنوعة التي تضيّق عليه.
لكن مَن مِن الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية ليس مأزوماً؟
هل «التيار الوطني الحرّ» الذي رمى «بيت الوسط» بحجر الاتهام، بيته محصّن أم من زجاج؟ فالتيار الذي «يحاول ملكاً أو يموت فيعذرا»، يعيش أزمات على أكثر من مستوى. وبعد أن سلك كل الدروب التي يمكن أن توصل زعيمه الى رئاسة الجمهورية، تقطعّت به السبل إليها. يقف عند التقاطعات عاجزاً عن الوصول أو التراجع.
يحصل ذلك بعد أن استهلكت السلطة شعاره «الإصلاح والتغيير» في خضم ممارسات وزرائه وما يرشح عنها وعنهم. وتهاوت الى حد كبير صورة الحزب الحديث، الكاسر للتقليد والباحث عن لغة وطنية جامعة ترفع الدولة في سلم أولويات مطالبها. أما أزمته الداخلية وحجم المختلفين أو المستائين من قيادته الجديدة فتلك مسائل داخلية تفصيلية.
مَن مِن الأحزاب اللبنانية ليس مأزوماً؟ هل «حزب الله» او خصومه بمنأى عن ضيق الأزمات؟
فحليف «التيار الوطني الحر» يواصل تلقي سهام مشاركته في الحرب السورية. وإذا كان «حزب الله» يرفض إخضاع هذه المشاركة الى أي نقاش داخلي، ويُصرّ على تجاوز كل المآخذ عليها، الا أن ذلك لا يلغي أزمات متوالدة عنها، خصوصاً لجهة علاقته بشركائه في الوطن. ولأزمة الحزب إطارها الأوسع التي تطال علاقته بمحيطه العربي، وتداعيات الصراع السني ـ الشيعي على كل المنطقة ولاعبيها الأساسيين.
حليفة الحزب أيضاً مأزومة. «حركة أمل» التي تحاول الوقوف في منزلة بين منزلتَي المصلحة اللبنانية والشيعية، والإبقاء على توازن العلاقة مع العالم العربي، تتّكل على حنكة الرئيس نبيه بري في كل مرة، لإيجاد الصيغ والسبل، وإن بشّق النفس أحياناً.
وصلت الأزمة وضيق الخيارات بـ «القوات اللبنانية» الى أن ترشّح خصمها العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. لم تكتفِ بالمصالحة مع «التيار الوطني الحر». انحازت لعون مهددة كل تحالفاتها، خصوصاً مع «المستقبل»، مع ما له من أهمية بالنسبة اليها.
أما أزمة «الكتائب» فمتشعبة بين الجمهور والحلفاء والخصوم. فعلى رغم تحصّن الحزب بمبدئيته في عدد من القضايا المطروحة، الا أن منافسيه على ملعبه من الأحزاب المسيحية يملكون القدرة الأكبر على جذب الجمهور. ينعكس ذلك على موقعه لدى حلفائه المسلمين.
بدوره يبدو «الحزب التقدمي الاشتراكي» مأزوماً. وكيف لا يكون كذلك ورئيسه وليد جنبلاط لا يتوانى عن الجهر، ولو تهكماً، أن «الانتخابات البلدية مصيبة وحلّت بنا». الحذر يسود علاقة الحزب الاشتراكي بجميع الأطراف السياسية. يتذرع بالوسطية وتغريه فكرة أن يكون مرجّح كفّة التوازن الوطني. لكنه، كما يحذر كل القوى، بدورها تتعاطى هي معه على مستوى الثقة نفسه.
حتى الأحزاب الأرمنية مأزومة. «الطاشناق» و «الهنشاك» و «الرامغفار». من «ناغورني كراباخ» الى بلديات برج حمود وبيروت وانطلياس، مروراً بالقمة الإسلامية في اسطنبول التي قد تتبنى وجهة نظر الأذربيجانيين في الصراع القائم. خلافات وتراكمات وإحساس متعاظم بالتهميش وتراجع العصب الأرمني.
اما السياسيون المستقلون فـ «يناضلون» من أجل إيصال رؤساء بلديات في بلداتهم، أو الحفاظ على حد أدنى من هامش حريتهم ومواقفهم المستقلة.
للتذكير فقط، يصدف أنه في مثل هذا اليوم، قبل 41 عاماً، اندلعت حرب في لبنان، بين أحزاب وجماعات وطوائف كانت كل واحدة منها تصف الأخرى بأنها مأزومة.