بصرف النّظر عن نفي مصادر بعبدا إبلاغ رئيس الجمهورية الرئيس المكلف سعد الحريري «أنّ البديل عنه جاهز في حال تأخّره في تشكيل الحكومة» ونحن نصدّق بعبدا ومصادرها، إلا أنّه يبدو أنّ هناك مصدرٌ ما يتولّى أمر هذه التسريبات و»الترويجات»، بل هناك من صرّح بها علناً ولم ينصرف إلى «تبليط البحر» بعد، وبصرف النّظر عن كون هذا الكلام «هرطقة دستوريّة»، هذا الكلام الذي أقلّ ما يقال فيه إنّه «تافه»، تجربة حكومة القمصان السّود التي أتت بنجيب ميقاتي بالانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في 12 كانون الثاني 2011، ما زالت ماثلة في الأذهان، ومن المستغرب أن يعتقد البعض أنّ هناك «بدائل» لسعد الحريري!
عندما جاء حزب الله وحلفاؤه بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة استغرق تشكيله للحكومة سبعة أشهر، فأعلنت مراسيم تشكيلها في 7 تموز 2011 وبعد مفاوضات شاقّة وكانت حكومة حزب الله هذه حكومة حلفاء بحلفاء واحتاج تشكيلها سبعة أشهر، وللتذكير لم يجد رئيس تلك الحكومة دولة عربيّة تستقبله، ولا دول تتعامل معه، حتى اكتشف الحزب وحلفاؤه أن «الحكم شيء.. والمعارضة شيء آخر» وفي 22 آذار 2013 و»كان بدّو الصّرفة»، حينها «نخّ» حزب الله وأعلن رغبته بحكومة وحدة وطنيّة!
الحديث عن بدائل للرئيس سعد الحريري «مهزلة»، يُدرك الجميع في لبنان، وفي هذه المرحلة بالذّات، أنّ اسم سعد الحريري على رأس أي حكومة هو ضمانة دوليّة للبنان، لا مفاعيل «مؤتمر سيدر» من دون سعد الحريري، ولا دعم ولا ثقة بلبنان من دون سعد الحريري، خصوصاً وأن البدائل التي يتوهّم البعض أنّها موجودة أهزل من هزيلة، وستشكّل نهاية قاتلة للعهد وللتيّار الوطني الحرّ وحلفائه!
خذوا «كرة النّار» وأرونا ماذا ستفعلون، جرّبوا وشكّلوا حكومة ودعونا نتفرّج على السقف ينهار ساحقاً الرؤوس المريضة، للأمانة البلد في غنىً عن هكذا غمز ولمز وادّعاءات و»تهبيط حيطان»، خصوصاً وأنّ لبنان في مرمى نيران العقوبات بسبب حزب الله، عقليّة «العنتريّات» الفارغة لا تجدي نفعاً في هذه المرحلة، ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يكون فيها اسم جبران باسيل سبباً في تعطيل تشكيل الحكومات، إنما هذه المرّة التعطيل مختلف إذ في السابق كانت أزمات التعطيل بسبب الإصرار على توزيره في وزارات بعينها، هذه المرّة يبدو أنّ وزير خارجيّة حكومة تصريف الأعمال يريد أن يكون «شريك في التأليف»، وهذه مهمّة دستوريّة منوطة فقط بصلاحية رئيسيْ الجمهوريّة والحكومة، عندما ينيط باسيل بنفسه مهمّة حساب حجم كتلة نيابيّة غير كتلته يكون هو المسؤول الأوّل والأخير عن تعطيل تشكيل الحكومة، ونقطة على السّطر!
هذه «الهرطقات والحرتقات» تسيء أولاً للعهد الذي يريد البعض «تقويله» ما لم يقله، بل هو تمادٍ في الإساءة له، ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يستغرق فيها تشكيل الحكومات وقتاً، منذ العام 2005 ، كان لبنان في عين العاصفة وتحت مراقبة دولية شديدة لتشكيل حكومة إنتقالية تشرف على الانتخابات واستغرق الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي خمسين يوماً حتى شكّلها، بعد اتفاق الدوحة، وكان الجميع متفقاً على كل التفاصيل، احتاج الرئيس فؤاد السنيورة أربعة أشهر ونصف لتأليف الحكومة، بعد التكليف الأول للرئيس سعد الحريري في العام 2009 اعتذر بعد 75 يوماً لتعذّر التأليف، وبعد التكليف الثاني استغرق شهرين لتشكيل أولى حكوماته، أما ثاني حكوماته وهي الأولى في عهد الرئيس ميشال عون احتاج تشكيلها 46 يوماً، واستغرق الرئيس تمام سلام أشهراً عشرة لتشكيل أوّل حكوماته، للمفارقة أن الحكومة الوحيدة التي شكّلت في بضع دقائق كانت حكومة الجنرال ميشال عون العسكرية عام 1989.
ميرڤت سيوفي