IMLebanon

عن سوريا المتلاشية!

تبقى النكبة السورية سمة العصر العربي الراهن، وأبرز إفرازات العودة «الناعمة» والذكية لبعض مناخات الحرب الباردة، تبعاً للمشروع الإحيائي الذي يحمله فلاديمير بوتين وشعاره الفضفاض الداعي الى مواجهة «الأحادية» الأميركية والارتداد الى منطق القطبين.. مع أن الحصافة تتطلّب الانتباه الى أن «الحضور» الصيني يستوجب حُكماً، تعديل ذلك الشعار وأخذه الى خارج تلك الثنائية البائدة!

يتقدم الرئيس الروسي في مشروعه في خط صدامي لكنّه ملتوٍ: يقاتل من داخل نظام السوق المفتوحة والنظام الاقتصادي الليبرالي، ويعتمد نسقاً قائماً على لغة «المصالح» وليس الايديولوجيات. ويقارب نقاط الحساسية الأميركية، وخصوصاً إزاء إسرائيل، من زاوية واحدة مشتركة وليست خلافية مثلما كان الحال أيام «المنظومة الاشتراكية العظمى»!

وكذا الحال إزاء الإسلاموفوبيا والإرهاب، برغم الاختلاف المستجد في هذا الشأن، تبعاً لاعتبار الأميركيين أن إيران جزءاً من هذه الصورة «السلبية» في حين اشتغل الروس على شيء آخر، أكثر براغماتية وليونة يقوم على «تعبئة الفراغ» الذي يتركه الأميركيون، أينما أمكن ذلك. من إيران الى تركيا.. وصولاً (أيام باراك أوباما) الى الخليج العربي، ومروراً بطيعة الحال بسوريا ونكبتها.

شكّلت سوريا عنوان فشل قيمي وأخلاقي أميركي، برغم «النجاح» السياسي الذي تأتى من وضعها في إحدى سلال المقايضة مع «المشروع النووي» الإيراني.. لكنها شكّلت على الجانب الآخر، عنواناً صاخباً للعودة الروسية الى «المسرح الدولي»، ومن أبواب كثيرة، سياسية وديبلوماسية وتسليحية ومعنوية.. وصولاً في مكاسبها، الى أنّ وقائعها أنست العالم ضمّ القرم والتدخل في أوكرانيا، والعودة الى الحركشة في دول البلقان وبعض أوروبا الشرقية عموماً!

لم يعطِ الأميركيون وزناً لـِ«القضية» السورية في ذاتها، على عكس الروس.. ولا يزالون كذلك! والمفارقة أنّهم «استخدموها» للتقرّب من إيران، (أيام أوباما)، و«يستخدمونها» الآن كأحد أبرز مسارح الاصطدام بإيران! والمفارقة الأكبر، أنّهم في الحالتَين، وضعوها (سابقاً ولا يزالون) خارج أي منحى خلافي مع موسكو!

ولذلك (ربما) يكبر التوجّس ويزيد، من احتمال رسوّ المشهد السوري عند معادلة «الكلام الكبير والأفعال الصغيرة».. تماماً مثلما كان الحال أيام السيّئ الذكر أوباما! حتى وإن كانت الإدارة الأميركية الراهنة تُظهر كل ذلك التصعيد (العقابي) إزاء إيران! وتؤكد جدّيتها في «التصدي» لسياساتها التوسعية! وتضع، على الأرض حدوداً لجموحها ومحاولتها التمدّد أكثر فأكثر، وراء غبار الحرب على الإرهاب.

الابتعاد عن «المنحى الخلافي» مع الروس، في سوريا، يعني واحداً من أمرَين: إمّا أنّ واشنطن «مقتنعة» بأنّ موسكو ستنفّذ أجندة ضرب النفوذ الإيراني، وهذا ما لم تظهر أي بادرة من بوادره برغم ما يتردّد من اختلاف في «وجهات نظر» الحليفين المؤيدين لرئيس سوريا السابق بشار الأسد! وإمّا أنّ خطوط التهدئة الموعودة بالاكتمال بعد الانتهاء من ضرب «داعش» في الرقّة ودير الزور، و«النصرة» في إدلب وغيرها.. ستكون حدوداً طويلة المدى، لتوزع النفوذ بما يخدم مصالح الجميع بمن فيهم إيران وتوابعها، لكن على حساب الشعب السوري ووحدة بلاده و«دولته»!

والاحتمال الثاني هو الأرجح.. وبذلك فقط، يكون بشار الأسد قد «انتصر» من خلال تنفيذ ما وَعَدَ به منذ الأيام الأولى للثورة: «نحكمها أو نحرقها». وقد حرَقها تماماً أو يكاد!