يعجز الخبراء الإقتصاديون الذين يراقبون طريقة التعاطي في ملف سلسلة الرتب والرواتب عن فهم ما تشهده من مناقشات، إذ أقلّ ما يُقال فيها إنها خارج كلّ منطق، وتدلّ على حجم التخبّط الذي تعانيه السلطة التي قدّمت فجأة خطوة البحث عن موارد السلسلة لرشوة الموظفين من أبواب تُعزّز الرشوة وقيادة المستفيدين الى المجهول. فكيف يمكن ترجمة هذه المعادلة؟
عندما تكون في حضرة أحد الخبراء الإقتصاديين غير المسيّسين، ستكون مدعواً الى تنظيف العقل واللسان عن الكثير ممّا سمعته في المناقشات الجارية في ساحة النجمة حول سلسلة الرتب والرواتب وموجة التصريحات والآراء التي أطلقت على أكثر من مستوى سياسي أو نيابي أو حكومي، لأنها في معظمها شكلاً ومضموناً خارج المنطق المالي عدا عن الأخطاء الجسيمة المرتكبة سواءٌ في مجال الدفاع عن السلسلة أو انتقادها.
فكثرة الخبراء الذين يدعون فهماً في الإقتصاد خرجوا من لائحة الإقتصاديين، خصوصاً أولئك الذين عبّروا عن مدى قدرتهم على تطويع التفسيرات القانونية والنظريات المالية التي تُسوّق لهذا الرأي أو ذاك.
ويعتقد الخبير الإقتصادي أنّ المناقشات خرجت عن حقائق مالية وإقتصادية كثيرة. فالبحث عن موارد السلسلة بما فيها من أبواب وبنود متشعبة
طاول قضايا حساسة لا تجوز مقاربتها إلّا من أبواب علمية وحسابات دقيقة مفقودة حتى اللحظة أو مشوّهة بفعل إغفالها عناصر كثيرة تشكل مواد أوّلية عند احتسابها، بحيث لا يجوز البناء بالأرقام ما لم تكن تستند الى إحصاءات دقيقة غير متوافرة حتى عند أهل الربط والحل.
ويضيف: كثر من أصحاب الآراء المتناقضة يعالجون مشكلة مالية وإقتصادية شديدة الخطورة بمنطق سياسي بعيداً من الأرقام التي لا يبوح بها أصحابها مخافة تفسيرها في مجالات أخرى، وهو ما يدفع في اتجاه الدعوة الملحّة الى تصويب المناقشات ومصارحة الناس بحقائق مخفيّة على الرأي العام وبعض المسؤولين.
إذ إنهم ليسوا جميعاً من اصحاب الإختصاص لفهم حقائقها وما يمكن أن تعكسه من ردات فعل على الأوضاع المالية للدولة والموظفين مستحقي هذه السلسلة من عسكريّين ومدنيين وإداريين ومتقاعدين.
ويرى الخبير الإقتصادي أنّ الحديث عن كلفة السلسلة وحصرها بما يقارب 1200 مليار ليرة لبنانية أمر مشكوك فيه، وهو رقم غير دقيق، لأنّ الرقم النهائي لا يمكن احتسابه والبناء عليه بعيون وخبرات سياسية.
فالخبراء الإقتصاديون لم يتوصلوا الى رقم دقيق قد يكون قريباً من الأرقام المتداولة ولكن ليس من الحكمة تبنّي هذا الرقم خصوصاً أنّ طريقة احتسابه بُنيت على إحصاءات منقوصة وتقديرات غير محسومة لمجموعة من الضرائب والرسوم الجاري البحث فيها، نظراً الى ما فيها من سعي لكسب الموارد بأقصر الطرق طالما أنها من الضرائب المباشرة التي يمكن جبايتها بلا عناء.
وينتقد الخبير بعض النظريات والمعلومات التي تردّدت على هامش البحث في السلسلة ومواردها، وكأنها من الثوابت، ولا سيما عند الحديث عن جباية ما يقارب 850 مليون دولار من المؤسسات المصرفية لقاء الهندسة المالية التي أجراها مصرف لبنان، وهي في حدّ ذاتها الكلفة المقدرة للسلسلة. ولو كان ذلك صحيحاً وثابتاً، فلماذا السعي الى ضرائب جديدة لتمويل السلسلة؟ ولمَن تتمّ جبايتها؟
وتعليقاً على هذه المعطيات، يقول الخبير الإقتصادي إنها مجرد رواية. فليس صحيحاً أنّ هذه الأرقام هي لتمويل السلسلة، بل هي من الضرائب التي لا يتخلّف القطاع المصرفي عن تسديدها لقاء أرباحه وستسخّر لتعزيز الإستقرار المالي والنقدي والإقتصادي. وهي ليست كمية من المال جامدة تدخل دفعة واحدة الى الخزينة وهي من نتاج الضرائب التي تدفعها المصارف سنوياً.
فبعض المصارف استخدم نتائج الهندسة المالية لتعزيز التزاماته بمعايير المحاسبة الدولية، كما لتعويض خسائر مني بها في اكثر من دولة كما في مصر وتركيا نتيجة انهيار العملات المحلية وتراجع قيمتها وتعويضاً عن الخسائر التي منيت بها البنوك في سوريا والسودان وغيرها من الدول.
ويلاحظ الخبير أنّ السلطة السياسية تبحث عن موارد لها من ابواب «فايشة» كما يقال بالعامية. فهي من الضرائب المباشرة التي تمسّ كلّ الناس، الفقراء كما الأغنياء، وتتجاهل موارد أخرى تحتاج الى إدارة مالية وضرائبية شفافة لتوفير جبايتها وهي تعرفها جيداً لكنه من الأسهل مد اليد الى جيب المواطن مباشرة.
ويضيف: الأخطر في ما هو مطروح، أنّ الضرائب المطلوبة هي من تلك التي تشجع على تفشي الرشوة والتهرب الضريبي وفتح ابواب جديدة ومجال عمل واسع للسماسرة أينما وجدوا.
فالتعديلات المقترحة على الرسوم العقارية مثلاً ستشجع القادرين على التلاعب بالتخمينات العقارية وسيزدهر عملهم في الدوائر العقارية والمالية وحيثما فرضت ضرائب ورسوم محدّدة عدا عن تردداتها السلبية على قطاع البناء الذي نوت الحكومة تشجيعه قبل فترة من خلال خفض الفوائد على القروض السكنية، فإذا بفوائدها تتبخّر بين ليلة وضحاها.
وكذلك بالنسبة الى الرسوم الإضافية على المشروبات الروحية ومشتقاتها المستوردة من الخارج التي ستنعكس بشكل خطير على قطاع السياحة والترفيه.
كما بالنسبة الى رفع الرسوم الجمركية على المنتجات التبغية والدخان وهو ما سيسهّل عمليات التهريب التي يتقنها مجتمع بحدّ ذاته قائم على مثل هذه الأعمال عبر المرافئ الشرعية وغير الشرعية.
وعدا عن ذلك تبقى الخطورة في ما فرض من رسوم وضرائب تطاول ما يُسمّى كلفة الأعمال في لبنان، فهي ستقفل الأبواب امام الراغبين في تأسيس الشركات بهدف الإستثمار في لبنان وتلك التي فرضت على رسوم الميكانيك وغيرها من كلفة الحياة اليومية في البلاد.
عند هذه الحدود، يتوقف حديث الخبير الإقتصادي عن ترددات ما يفعله النواب في ساحة النجمة بحثاً عن موراد السلسلة ليتأكّد أنّ هذا «السعي المشكور» سيتسبّب بازدهار أعمال التهريب والسمسرة تعزيزاً لدور شبكات ومؤسسات تعيش هذا النمط من الحياة اليومية فيما يُقاد المستفيدون منها الى المجهول غير المضمون والملاحظات كثيرة ويحتاج البحث عنها مقالاً آخر.