«مواطن أنا من شعب قمعستان أخاف دخول المسجد كي لا يقال أني أمارس الإيمان كي لا يقول المخبر السري أني أتلو سورة الرحمن هل تعرفون الآن ما دولة قمعستان تلك التي ألفها ولحنها وأخرجها الشيطان» (نزار قباني)
كانت جدتي عندما تنكشف فضيحة في الحي تقول: «إن أتى العيب من أهل العيب فهو ليس بعيب!». بالطبع فإن جدتي المحافظة إلى حد التزمّت، لم تكن تقصد أبداً أن «العيب ليس بعيب» ولكن أساس الحكمة هو أن «العيب عند أهل العيب» هو طبيعة متأصلة في طباعهم مما يجعل العيب فيضاً طبيعياً في تصرفاتهم. وهذا يعني أن هؤلاء من أهل العيب يسوّغون العيب الذي يرتكبونه بأنه حق لهم وواجب عليهم في الوقت ذاته، فلا عتاب ولا شجن ولا عذاب ضمير…
تذكرت قول جدتي عندما قبض على ميشال سماحة متلبساً بالجرم المشهود، فلم أتفاجأ صراحة بالقضية، وكنت أتوقع أن يقع أحد أركان الممانعة يوماً، ولو صدفة، في قبضة رجال الأمن.
ولم أتفاجأ أبداً بقول النائب الممانع محمد رعد يومها بأن ميشال سماحة هو من أركان الممانعة مستنكراً توقيفه ومهدداً بالويل والثبور، حتى قبل أن يعرف حجم الجرم المتهم به، وقبل أن يدخل «حزب الله« بعدها في سكوت مطبق ممارساً التقية، ومحضراً لمقتضيات ما تبين لاحقاً بأنه مؤامرة إطلاق سراحه.
ولم يفاجئني أبداً لوم ممانع أسف عندما تحدث عن «حمارين في سيارة سماحة!»، لأنه اعتبر أن خطأ سماحة يكمن في وقوعه في قبضة الأمن «لضعف خبرته» وليس لقيامه بعمل يعتبر مشيناً يستهدف به حياة الناس، طالما أن هذا العمل منذور لخدمة أهداف الممانعة.
وتذكرت قول ممانع ثانوي آخر بعيد اغتيال رفيق الحريري يقول على إحدى الشاشات «إذا ثبت بأن سوريا قتلت رفيق الحريري، علينا أن نسأل عندها لماذا قتلته؟!» في إشارة إلى أن تسويغ القتل سيكون جاهزاً.
وممانع آخر تحدث عن «حماقة اغتيال رفيق الحريري» مشيراً إلى أنه كان علينا تفهم هذه الحماقة لأنها تأتي في سياق «أخطاء ثورية»، ارتكبتها الممانعة أثناء تأدية واجباتها، مثل أن يقتل مواطن بريء بنيران ممانع بالخطأ، أو أن يقتل الضابط سامر حنا برصاص مجاهد من «حزب الله«!
لكن الموقف الواضح للممانعين كان بعد ظهور أسماء المتهمين باغتيال رفيق الحريري، فخرج نائب ممانع متفذلكاً بكلامه في جلسة مجلس النواب قائلاً: «السلام على المصطفى الذي تم به بدر الدين وعلى أخوانه الشهداء والمجاهدين» يعني ببساطة أنه لم ينفِ التهمة أصلاً، لكنه أكد تبنيه كل ما قام به متهم بالاغتيال، لأنه عمل ممانع.
وعادني بوضوح تهديد حسن نصر الله في إحدى خطبه في أوائل سنة عندما قال «إذا فكر أحدهم بنزع سلاح المقاومة فسنقطع يده، ونقطع رأسه، وننزع روحه»، فعلا تصفيق جمهور المقاومة وارتفعت أصواتهم بالصلاة والسلام على محمد وآله. فقطع الأيدي والرؤس ونزع الأرواح هنا يتخطى العمل الممانع ليصل إلى واجب ديني مقدس.
هذا بالتأكيد غيض من فيض، ومن هنا، فإن فعل العيب الشنيع الذي كان بطله ميشال سماحة، ما هو إلا جزء تافه من فضائح الممانعة التي تتعاطى بالسياسة من خلال القمع والإرهاب والقتل والتدمير، لأن سلطة الإقناع والمنطق مفقودة في منظومة أصلها كذبة مبنية على الأساطير، وعلى إرهاب الآخرين…
ميشال سماحة خرج الآن من سجن، وهو في الواقع لم يكن، ولن يكون، إلا أداة إجرامية في منظومة اسمها الممانعة.
ليس المهم إذاً خرج أو لم يخرج، فالمطلوب استئصاله هو والمنظومة التي أوجدته، فإن كان سماحة في السجن، فخارج السجن سماحات.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»