IMLebanon

عن الشهيّة المفتوحة على التوزير

 

يسود الاعتقادُ أنّ «طبّاخي» الحكومة يتّكلون على الظروف السياسية المساعِدة نسبيّاً على قيامها من دون عقبات شديدة التعقيد. إذ يُفترض أن تكون ولادتُها مخفّفة من القيود الحديدية التي كانت تكبّل رؤساءَ الحكومات المكلّفين منذ وقوع لبنان على فالق النزاع الإقليمي، وقد حوّل طاولة السراي المستطيلة ساحة «كباش» بين محورَي الخلاف في المنطقة، ما انعكس تنافساً على الحقائب السيادية وتلك الخدماتية، والأهم من ذلك الخلاف العميق حول البيان الوزاري في شقّه المتعلّق بسلاح «حزب الله».

لكن، المعطيات تفيد أنّ للشقّ الإقليمي مكانه في المخاض الحكومي. لا يزال للاعتبارات الخارجية محلّها في الحيثيات التي تعرقل ولادة حكومة سعد الحريري في عهد ميشال عون الثانية. ولعلّ أهمّها متّصل بموقف المملكة السعودية، وسوريا.

إذ، رغم انعدام المؤشّرات العلنيّة لضغط قد تمارسه الرياض على رئيس الحكومة المكلّف، إلّا أنّ ما تسرّب حتى الآن يشي بحرص الديوان الملكي على تمثيل حلفائه في الحكومة وفقاً لأحجامهم النيابية، والمقصود بهؤلاء في الدرجة الأولى «القوات» التي قد يحاول «التيار الوطني الحر» تقليصَ حجمها الوزاري قدر المستطاع.

أما الاعتبار الثاني فمرتبطٌ بسوريا التي تتغيّر يوماً بعد يوم موازينُ القوى على أرضها لمصلحة النظام، ما يدفع بالأخير الى إعادة النظر بقواعد تعامله مع «جاره». إذ تفيد المعلومات أنّ دمشق تطالب بتعاطٍ رسميٍّ من جانب الحكومة العتيدة من باب الاعتراف الرسمي أولاً بالحكومة السورية، وفتح بابِ حوارٍ رسميٍّ ثانياً لبدء معالجة ملف النازحين.

وهذه نقطة ليست ببسيطة قد تُرخي بظلالها على مشاوراتِ التأليف وما قد ينتظر الحكومة من جدول أعمال في المرحلة المقبلة.

ولكن إذا ما افترضنا أنّ هذين البندَين قد سارا بسلاسة في عروق التأليف، فإنّ الاعتبارات المحلّية لا تقلّ صعوبة نظراً للشهية المفتوحة على التوزير من جانب كل القوى السياسية التي تمكّنت، ولو بنسب متفاوتة، من حجز مقاعد لها في مجلس النواب.

عملياً، القاعدة التي ستسري في التأليف هي نسب التمثيل النيابي كما بيّنتها نتائج صناديق الاقتراع، ووفقاً لهذه الأحجام، ما يعني استحالة إسقاط معادلة حكومة العهد الأولى على معادلة الثانية، مهما اجتهد المنظّرون ومبتكرو الاجتهادات السياسية.

ولهذا ثمّة عوامل ثلاثة قد تصعّب مشاورات التأليف:

– إصرار العهد على اعتبار أنّ حكومة ما بعد الانتخابات هي حكومته الأولى، وبالتالي ستكون بصماتُ رئيس الجمهورية ميشال عون جليّةً في التركيبة وفي الأسماء التي ستضمّها، وفي حصّته في شكل خاص.

– الشهيّة المفتوحة على التوزير من جانب كل القوى السياسية، حيث من المنطقي أن يكون التنازلُ من جانب «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» بشكل خاص إذا جرى الاتّفاقُ على تمثيل كل القوى السياسية، على اعتبار أنّ هذين الحزبين كانا صاحبَي الحصة الأكبر في الحكومة التي تصرّف راهناً الأعمال.

لكنّ رئيس «تيار المستقبل» يواجه أزمةً صعبة في عدم قدرته على تقديم مزيد من التنازلات. خصومه صاروا في عقر داره، البيروتي، الصيداوي، الطرابلسي والبقاعي. مسلسل القضم من طبقه لم يعد محتمَلاً، وأيُّ تراجعٍ نوعيّ في الحكومة قد يعرّض معركته للعام 2022 لخطرٍ وجوديّ خصوصاً إذا صمدت الحكومة العتيدة حتى موعد فتح صناديق الاقتراع.

فيما «التيار الوطني الحر» يخشى التفريط بحصته، وهي حتماً قد تتعرّض للقضم إذا ما تمكّنت معراب من حجز حصّة توازي تمثيلها النيابي، وإذا ما حُفظ للكتائب مقعدٌ وزاري، سيُصار حينها حتماً الى توزير الحزب السوري القومي الاجتماعي بواسطة وزير مسيحي أيضاً على اعتبار أنّ نوابه الثلاثة مسيحيون.

 

كما أنّ «تيار المردة» الذي بات جزءاً من «التكتل الوطني» صار بإمكانه حجزَ مقعدَين وزاريَّين، أحدهما مسيحي. ولن يكون الرئيس نبيه بري مضطراً للتخلّي عن حقيبة تعود لوزرائه، لتجييرها لمصلحة حليفه الزغرتاوي.

– إتّساع رقعة الوزارات الدسمة، بعدما كانت الدائرة محصورة بالحقائب السيادية، واذ بالتطوّر العلمي والأحداث المحيطة، يجعلان من الطاقة، الاتصالات، الشؤون الاجتماعية، التربية، حقائبَ ذات وزن ونفوذ، تستقطب الاهتمامَ والطلبَ عليها. ويبدو أنّ كل الكتل الوازنة باتت تشترط الحصولَ على حقائب بارزة.