IMLebanon

عن مشهد البيال  

 

للأمانة، لم أستطع أن أشاهد، ولا أن أتابع، حالي في ذلك حال كثيرين ردّدوا في سرّهم «لا عين تشوف ولا قلب يحزن»، لأوّل مرّة أشعر في هذه الذكرى أنّ حالنا يشبه حال دندنة تلك الأغنية: «وهاتفٌ يَهتفُ بي حذارِ يا مسكين.. وسِرْتُ وحدي شريداً مُحَطَّمَ الخُطـواتِ/ تَهزُّني أنفاسي تُخيفُني لَفتاتي/ كهاربٍ ليسَ يدري من أينَ أو أينَ يَمْضـي/ شَكٌّ ضَبابٌ حُطام.. بَعضي يُمزِّقُ بَعضي» [أغنية حبيبها لعبد الحليم حافظ، كلمات كامل الشنّاوي، ألحان محمّد الموجي، إنتاج عام 1965].

 

تلك الصورة أصابتني بالحزن، والصمت، وللأمانة كان باستطاعتي أن أتجاهل الأمر وأن ألوذ بالصمت، ولكن «ليس أنا»، في المفاصل الكبرى لست محايدة ولا رماديّة ولا أدير ظهري للمشهد، سواءٌ أعجب هذا البعض أم لم يعجبهم، خصوصاً أنّنا ذاهبون مبدئيّاً إلى انتخابات في 6 أيّار المقبل، وأنّ اليوم الذي سيليه هو تاريخ 7 أيار «ما غيرو»! رُويَ عن طلعت بك زميل جمال باشا الجزّار في جرائمه أنّه خاطب زميله هذا بقوله: «لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لسَتْرِ شرورك وآثامِك لما كفتنا».

للأمانة، بعد مشهد البيال شعرتُ بحاجة شديدة لمعرفة تاريخ «الخازوق» في تاريخ البشريّة، اضطررتُ أن أبحث قليلاً ومن محاسن الصدفِ أنني وقعتُ على دراسة وفّرت عليّ اختزال مآسي «الخوزقة» التي تعرّضت لها البشريّة عبر التاريخ، وهنا نتحدّث عن «الخازوق» العقابي الحقيقي، ولكن ماذا عن «الخوازيق المعنويّة» التي يشعر اللبنانيّون كلّ يوم أنّهم يتعرّضون لها؟!

للمفارقة أنّ 6 أيّار في ذاكرتنا منذ الطفولة هو يوم عيد الشهداء ومعروف أنّ سبب اختيار التاريخ هي يوم نصب المشانق في ساحة الشهداء في بيروت وساحة المرجة في دمشق لتنفيذ أحكام الإعدام التي أقرّتها المحكمة الصوريّة لأحمد جمال باشا الجزّار، بحق نخبة من المفكرين والصحافيين والمتنورين في العقد الثاني من القرن العشرين، ما بين فترة 21 آب 1915 ومطلع 1917. واختير يوم 6 أيار إذ ان عدد الشهداء الذين أعدموا في هذا اليوم من عام 1916 كان يوم إعدام العدد الأكبر منهم.. وللمفارقة أيضاً أن 6 أيار هو يوم عيد شهداء الصحافة لأجل لبنان نتذكّرهم في مسيرة الحرية والكلمة والشهادة، «إنّو ساقبت هيك»!!

الصورة الرسميّة لمشهد البيال، أعادتني إلى التاريخ الفعلي الذي استخدم فيه الخـازوق والحقيقة إنه لا يوجد على وجه التحديد رواية تثبت أول من إستعمل آلة القتل هذه، غير أنه لدينا ما يُثبت أقدم من استخدم الخازوق للقتل في التاريخ الانساني وذلك في عصور ما قبل الميلاد… تناسيت تاريخ البيال المقيم في ذاكرتنا على أنّه «مكبّ النورماندي الخرافي»، وقفزتُ إلى عصر الملك حمورابي «أبو الشرائع» الذي يُعد طليعة الذين وضعوا القوانين في تاريخ البشرية وجاء في شريعة حمورابي المكونة من 282 نصاً تشريعياً ما يلي، تنصّ المواد المنصفة في قوانين حمورابي من الرقم 153 – 158 على جملة احتمالات لعقوبة القاتل والعلاقات الجنسية بين الاب وابنته والحمو وكنته والام وابنها المتبني ومن هذه العقوبات النفي والاعدام غرقاً أو حرقاً أو الموت على الخـازوق أو غرامات مالية… وجاءت لفظة خـازوق تحديداً في الفقرة 152 من قانون حمورابي حيث نصت على ان لو تسببت إمراة في مقتل زوجها بسبب رجل آخر تُوضع على الخازوق…

عذراً؛ يا ذاك اليوم المهيب الذي زلزل لبنان، بالكاد صمدت الدّماء ثلاثة عشر عاماً، عُذراً لكلّ الخيبات السابقة واللاحقة، عُذراً يا 14 آذار العظيم، عُذراً يا شعب 14 آذار العظيم، في مواسم المصالح والتحالفات الإنتخابيّة، السّلام على لبنان، والسّلام  على أرواح الشهداء، «ما تواخذونا» لم يعد باستطاعة اللبنانيين أن يتحمّلوا تبديل «الخازوق» عند مفرق كل مصلحة وحسابات سياسيّة أو إنتخابيّة أو أيّ مصلحة كانت!