IMLebanon

عن رحيل دي ميستورا.. والتوافق الدولي المفقود

 

من المرتقب أن يعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلفاً للموفد الخاص للمنطقة الدولية للحل في سوريا ستيفان دي ميستورا، والذي تنتهي مهمته نهاية شهر تشرين الثاني الجاري بعد تقديم استقالته. وهناك أسماء أربعة مطروحة لخلافته هي: غي بيدرسون الذي كان موفداً خاصاً إلى لبنان، وممثل الأمين العام لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، ومسؤول الأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش، ووزير خارجية الجزائر السابق رمطان لعمامرة.

 

وتفيد مصادر ديبلوماسية مطلعة، أن روسيا تضغط لوصول شخصية إلى هذا المنصب تستطيع التفاهم معها بشكل كبير. دي ميستورا يودع مهمته باحاطتين، حول الوضع السوري، الأولى: إلى مجلس الأمن الدولي، والثانية: خلال القمة الرباعية التي انعقدت في اسطنبول يوم السبت الماضي بين ألمانيا وفرنسا وتركيا وروسيا.

 

والسوريون كنظام، ودعوا مهمته، برفضهم خمسين إسماً كان رشحها دي ميستورا لدور وسيط في لجنة صياغة الدستور. وقد بذل دي ميستورا جهوداً كبيرة لوقف الاقتتال السوري، وإرساء الحل السياسي الذي حددته وثيقة جنيف والقرارات الدولية حول سوريا، لكنه فوجئ بأن الأطراف الدولية والاقليمية، فضلاً عن النظام واجهت مهمته باللامبالاة، الأمر الذي حدّ من دوره فعلياً على الأرض، وجعل استقالته مؤسفة، لكن غير مؤثرة كما يريدها النظام وحلفاؤه.

 

دور دي ميستورا الأساسي، كان تنفيذ خطة جنيف، لكن الروس عملوا عبر مؤتمر سوتشي على تفويض جنيف والانقلاب عليه. وفي سوتشي تم تشكيل لجنة صياغة الدستور، بحيث أرادوها في ظل استمرار وجود النظام. في حين أن وثيقة جنيف تحدثت عن حكم إنتقالي وإنتخابات، قبل صياغة الدستور.

 

وواجهت دي ميستورا، مشكلة مصير النظام ورأسه بشار الأسد. فهل يذهب قبل الحكم الانتقالي أو بعده؟ قبل وضع الدستور أو بعده؟، إلى أن عاد المجتمع الدولي وقبل باستمرارية وجوده حتى حصول الانتخابات وفقاً للدستور الجديد. وواجه دي ميستورا البحث في الدستور الجديد الذي لا يزال غير واضح المعالم، خصوصاً وأن النظام يقول الآن إن هذه المسألة سيادية. كما واجهته مسائل متصلة بالصلاحيات، وتمركزها بيد مجلسي النواب والوزراء بدلاً من تمركزها في الرئاسة، أم ماذا؟.

 

السؤال، كم كان دي ميستورا قادراً على أن يفعل أكثر مما فعله؟ إن دوره اختلف من مرحلة إلى أخرى، وفقاً لطبيعة الأوضاع على الأرض، وبحسب أي فريق يظهر أنه الأقوى على الأرض عسكرياً، مثلاً منطقة كوباني وجرائمها حوّلها دي ميستورا إلى قضية إنسانية دولية. وكذلك حلب، ثم حالياً حمل هم ادلب وضرورة تلافي حصول «حمام دم» فيها.

 

لم ينتج الكثير من اجتماعات جنيف، لكن الموفد الدولي أدار الملف السوري بطريقة منطقية، وفي مراحل مختلفة، كان كل طرف دولي لديه مفهوم مختلف لدور الأمم المتحدة. كما أن الانتقال بالملف السوري من جنيف إلى سوتشي أدى إلى مقتضيات مختلفة، وبات كل مفهوم الصراع في سوريا مختلفاً. بدأ هذا المفهوم، من مسألة السعي الى تغيير ظروف الحياة وإزالة الظلم عن الناس، ثم السعي الى إسقاط النظام وإعلاء صوت الثورة من أجل الوصول الى هذا الهدف، وصولاً الى مكافحة الإرهاب. وما حصل أخيراً، هو السعي الروسي الى مكافحة الإرهاب، وإقناع الولايات المتحدة والغرب بهذا الهدف. ولم تعد الأولوية دعم المعارضة لرحيل الأسد، مع أن الدول الغربية تحجم عن تمويل إعادة اعمار سوريا، وتمويل إعادة النازحين قبل الحل السياسي النهائي فيها.

 

الآن الأميركيون باقون في سوريا، في إطار هدفهم الحد من النفوذ الايراني. كذلك في إطار مكافحة الارهاب، وفي اطار إرساء حل لموضوع ادلب. وهم أوقفوا مساعداتهم للمعارضة السورية، وخفضوا المساعدات الانسانية والمالية للسوريين، فضلاً عن أنهم أوقفوا أخيراً دعمهم ومساهمتهم المالية لـ«الأونروا»، كل ذلك كانت له تداعيات ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة ككل.

 

سعى دي ميستورا الى دور تسهيلي للتفاهم بين الأطراف وبذل كل جهده لتحقيق إختراق لحل الأزمة. وعمل كل مرة على التقرب من أطراف النزاع عله يستطيع أن يفعل شيئاً، لكن الظروف كانت تعاكسه. إذ أن نجاحه كان يتطلب ظروفاً دولية مؤاتية وتوافقاً دولياً على الحل، وهو الأمر الذي ظل مفقوداً حتى الآن.