كانت الصحافة حرة وغنية في عهد الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان. صحيح أن بعضها كان موالياً ويضرب بسيف السلطان، وهذه من سلوكيات كل زمان ومكان، إلا أن بعضها الآخر، وهو الذي فعل وربى وترك أثراً كان ذلك الخارج على الانضباط العام، الرافض لسلطة الخارج والمصرّ على الاستقلال وبناء السلطة الوطنية.
وهذا البعض تعرض للتضييق والقمع، فاستدعي أربابه الى التحقيق، وأحيانا أوقفت مطبوعاته لتعود بعد قليل بأسمائها المعروفة او بأسماء اخرى، إلا أن الصحافة استمرت في توسيع هوامش حريتها واكتسبت ثقة جمهور أوسع زودته بما يريد أن يعرف وما يجب عليه معرفته. واستند الصحافيون الى إرث الحريات الذي صاغته الثورة الفرنسية ليواجهوا ورثتها في بلدانهم، وعشية رحيل الانتداب في أربعينات القرن الماضي كان للبنان وسوريا معا خزين كبير من التطور الإعلامي وثقافة راسخة في الحريات الإعلامية، تطورت في البلدين معاً حتى انقلاب البعث في سوريا فترحم الجميع على إعلامها وإعلامييها.
وواصلت تجربة الاعلام اللبناني تقدمها في مناخ حر، الا ان تغييرات سوريا انعكست ضغطاً على لبنان وضد صحافته بنوع خاص، وهو ما أدت اليه الانقلابات الاخرى في مصر والمشرق العربي، ومع ذلك كافح اللبنانيون من اجل حرياتهم، رغم القمع الخارجي وحروب الداخل وارتهانات مسؤوليهم وحسابات البقاء التي تحركهم.
اليوم، يعاني لبنان من سياسة “البعثنة” القديمة المستجدة، في خدمة “ايرنة” صاعدة، انتدابية من دون تكليف أممي.
وقد يكون للبعض طموحات تتعدى مطامع الانتداب وتحمل الى البلد مخاطر أشد. غير ان تراث الحرية، لمليون سبب وسبب ما زال يعول عليه.
في عهد الانتداب صدرت صحيفة ساخرة معارضة اسمها “الخازوق”، عاقبها المندوب السامي الفرنسي مرات عدة، وعندما عاد الى عمله بعد عطلة صدرت بمانشيت يقول: “عاد المندوب السامي… وكان “الخازوق” في استقباله”.
بعد سنوات رحل المندوب المحتل وبقي لبنان المستقلّ.