قبل أسابيع قليلة، تبلّغ بعض المراجع اللبنانية من شخصية أجنبية غير مدنية، بأنّ لبنان مقبلٌ على «ربيع ساخن»، تلك الشخصية التي تشغل موقعاً حساساً في دولتها، قرنت هذا التبليغ بدعوة صريحة الى التنبّة وأخذ الحيطة والحذر، وخصوصاً أنّ التطورات ستتسارع على مساحة الشرق الأوسط؟
ما رفع منسوبَ قلق المراجع المذكورة هو أنّ تلك الشخصية في موقع يتيح لها أن تكون عارفة ومطلعة على ما يُحاك داخل غرف الدول الكبرى، وايضاً تزامن كلامها عن الربيع الساخن مع الأجواء التي رافقت انطلاق الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب وتحدثت عن توجّه لخلق شرق أوسط جديد عنوانه الفوضى.
نامت المراجع على قلقها، وآثرت ألّا تشيعه، لئلّا تخلق بلبلة داخلية، ولكن صار يتجاذبها أمران، فمن جهة، خوف وما فوق القلق ممّا هو آتٍ، ومن جهة ثانية أسئلة عمّا إذا كان ما تبلغته من باب التهويل أو التخويف والإرباك، إذ إنه يتناقض جذرياً مع ما تعكسه البعثات الديبلوماسية الغربية وما تحمله حركة الموفدين والزوار الأجانب، التي مازالت حتى الأمس القريب جداً، تؤكد أنّ لبنان مازال في عين الرعاية، وأنّ المظلة الدولية الحامية للاستقرار اللبناني ما زالت قائمة، وفي هذه الفترة، أكثر من أيّ وقت مضى.
حتى الآن، لم تقف المراجع اللبنانية بعد على الدوافع الحقيقية التي حملت الشخصية الأجنبية على الحديث عن الربيع الساخن. إلّا أنها ما زالت تتعاطى مع هذا الأمر بحذر كبير، لأنّه يفتح باب الاحتمالات السلبية على مصراعيه. إلّا أنّ أكثر ما يقلق تلك المراجع في هذه الأجواء، «المناخات الحربية التي يحاول أطراف محلّيون إشاعتها ربطاً بالتطورات الإقليمية، وبالتناغم مع أطراف إقليمية.
وتقترن هذه المناخات بسيناريوهات لحرب إسرائيلية حتمية ووشيكة على لبنان لاستهداف «حزب الله»، في خطوة موازية لاستهداف داعش في الرقة، على اعتبار أنّ ضرب «داعش» وإنهاءه في الرقة، دون استهداف الحزب، يخدمه ويريحه بل ويقويه، وهذا أمر ممنوع أميركياً وإسرائيلياً».
واللافت للانتباه أنّ بعض ناسجي هذه السيناريوهات يتحدثون عنها في مجالس معيّنة بلا حرج ويوحون بأنهم يمتلكون معلومات ومعطيات يقينية:
«الضربة «جايي»، نحن متأكدون من ذلك، لا يمكن أن يُضرب ما يُسمى «الإرهاب السنّي» المتمثل بـ«داعش»، ويُترك ما يُسمى «الإرهاب الشيعي» المتمثل بـ«حزب الله» قوياً في سوريا وفي لبنان. ومعلوماتنا، على حد قول أحد المتحمّسين بأنّ الحزب يجهّز نفسه للمواجهة وقد بدأ بسحب أعداد كبيرة من عناصره الى لبنان استعداداً لمواجهة الضربة الإسرائيلية».
ويتحدث هذا المتحمّس عن إشارات تخدم حصول الضربة ومنها عودة النبرة الدولية العالية ضد الحزب، وما ورد في التقرير الأخير لأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الذي أعاد الربط بين القرار 1701 والقرار 1680 والقرار 1559، وصولاً الى قرار أميركي بقطع الشريان الواصل بين حزب الله وإيران».
هذا ما يقوله أصحاب السيناريوهات وما يعتريها من تمنيات، إلّا أنّ القراءات العسكرية والأمنية للتطورات بدءاً من لبنان وصولاً الى سائر أنحاء المنطقة لا تضع لبنان في مهب الرياح العاصفة: «الوضع الداخلي مضبوط أمنياً، والحدود وخصوصاً الحدود الشرقية مع سوريا ممسوكة ومقفلة أمام إمكان تسرّب عناصر التوتير التكفيري والتفجير الإرهابي، فضلاً عن وجود قرار لدى كل الأطراف اللبنانيين من دون استثناء بإقفال النوافذ أمام أيّ رياح من أيّ جهة أتت، ولا توجد لدى أيّ طرف نية أو إرادة لإشعال النار في أيّ اتجاه».
تلك القراءات تتوازى مع رصد رسمي لكلّ ما حول لبنان، وعلى ما يُنقل عن مرجع رسمي كبير «أنّ الأوضاع في لبنان جيدة، وأما بالنسبة لما قد يحصل من تطوّرات فنحن نرصد ما الذي يمكن أن يحصل هناك، ممّا لا شك فيه أنّ الوضع في سوريا وكلّ ما حوله يستوجب المتابعة الحثيثة في هذه المرحلة، والوضع ليس سهلاً، والقلق موجود من تطورات دراماتيكية، وخصوصاً في ظل الحديث عن حرب على «داعش» في الرقة. والتي قد يتأثر بها لبنان من خلال تسرب الإرهابيين اليه هرباً من تلك المنطقة».
هنا، والكلام للمرجع المذكور «إنّ قُدِّر لهؤلاء الإرهابيين الوصول الى لبنان، لا نستطيع إلّا أن نخشى من محاولة نقل النار الى بلدنا سواءٌ عبر هؤلاء مباشرة أو عبر الخلايا الإرهابية النائمة في داخلنا، وثمّة إشارات شديدة الخطورة قد ظهرت في الآونة الأخيرة من المخيمات الفلسطينية، وخلال حركة بعض الجهات الموالية للتكفيريين في أماكن متعددة. لبنان يدرس كل الاحتمالات المرتبطة بهذا الامر ويعدّ عدته لمواجهتها سياسياً وعسكرياً وأمنياً».
«وإن كنا لا نأمن لإسرائيل التي لا تحتاج الى ذريعة أو سبب لشنّ حرب على لبنان أو غيره، بل هي التي تخلق الذريعة» على حد تعبير المرجع نفسه، «فإننا لسنا قلقين من حرب إسرائيلية على لبنان، لأسباب عديدة:
• اولها، إنّ أيّ حرب إسرائيلية ينبغي أن تحظى بمظلة أميركية لها، وها هي الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى رغم التفلّت «الترومبي» ما زالت في طور تأسيس نفسها وقد يتطلب ذلك عدة أشهر.
• الثاني، إنّ «توازن الرعب» هو الذي يحكم الأجواء اللبنانية الإسرائيلية.
• الثالث، إسرائيل في حاجة الى حرب خاطفة تحقق لها نصراً سريعاً ضد «حزب الله»، لا حرباً طويلة الأمد، لأنّ في ذلك تكراراً لسيناريو حرب تموز 2006، ومعطيات الميدان العسكري والجهوزية الدائمة لدى «حزب الله» لمواجهة أيّ احتمال، لا تشي بإمكان تحقيق إسرائيل لمرادها. وما ورد في الخطاب الأخير لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله سوى رسالة شديدة الدلالة أراد من خلالها أن تفهم إسرائيل كلّ مقاصدها وأبعادها والمفاجآت التي تنتظرها في حال أقدمت على عدوان على لبنان.
• الرابع، وجود الكابح الأميركي للحرب. وهو ما نقله مسؤول أميركي لمرجع لبناني قبل فترة غير بعيدة وفيه أنّ واشنطن معنيّة باستقرار لبنان، وتستطيع أن تضبط الإيقاع الإسرائيلي خارج سياق التفكير بأيّ عمل ضد لبنان إلّا في حالين، الأولى امتلاك «حزب الله» للسلاح الكيميائي، والثانية امتلاكه لأسلحة وصورايخ نوعية من النوع الكاسر للتوازن والذي يمكن أن يشكل تهديداً خطيراً.