IMLebanon

عن إشتداد الجبهة «العونية- القواتيّة»

 

 

لن يكون تفصيلاً بسيطاً أن يقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على منبر «انتصارات» حزبه في الانتخابات النيابية في معرض استعراضها، فيختار حقيبة الطاقة من دون غيرها، ويستبق الكباش الحكومي حول الحقائب والوزارات، ليبعث بالبريد العلني الى معراب رسالة عاجلة مفادها: لا تحلموا بخلافة سيزار ابي خليل.

ليس فقط لأنّ الرجل يتمسّك بحقيبة «الذهب الأسود»، ويرفض تجييرَها الى»الخصم العتيق»، بل لأنّ المبارزة الحكومية المشتعلة باكراً، أتت في سياق اشتداد السجال بين حليفَي «إعلان النوايا» والذي افترض راصدوه، أنّه سيعلّق لحظة إقفال صناديق الاقتراع… إلّا أنّ باسيل اختار إطفاءَ كل الجبهات باستثناء جبهة معراب وراح يصبّ النارَ على زيتها.

في إطلالته التلفزيونية الأخيرة عشية فتح صناديق الاقتراع، والتي ختمت مسلسلاً من الإطلالات (ولو أنه اشتكى من تضييق إعلامي عليه)، فتح باسيل النار على «القوات» من دون سواها متّهماً إياها بـ»الاغتيال السياسي» مصوِّباً كلّ أسهمه نحو «القعلة الكسروانية».

الأكيد أنّ الرجل كان يقصد شدّ عصب جمهوره لاستقطاب مزيد من المؤيّدين وإذ بالصناديق تفيض بالأصوات القواتية الداعمة للمرشح فادي سعد، مقلّصة الفارق بين الأخير وبين «مرشح المرشحين» باسيل الى ألفَي صوت فقط.

وفي وقت هدأت فيه لغةُ الجنون الانتخابي بين المتنافسين، كان رئيس «التيار الوطني الحرّ» يستعيد لهجته التصعيدية ضدّ «القوات» موجِّهاً سيلاً من الانتقادات في ملف النازحين، وفي محاصرة «التيار»… ليرفعَ المنسوبَ الى مستوى وضع الشروط على حقيبة الشؤون الاجتماعية.

تكمن أهمية هذه الجردة كونها تبرز إصرار «التيار الوطني الحرّ» على استعادة الاشتباك مع «القوات»، بعدما كان تفاهمُ معراب قد دفنه الى غير رجعة ويفترض بخصمَي التاريخ والجغرافيا أن يكونا قد تحوّلا حليفيْن، أو أقلّه اقتنعا بضرورة تجميد الخلافات التي بينهما والعمل على معالجتها ضمن أطر التنسيق والتواصل القائمة بينهما.

تكمن أيضاً كونها تسلّط الضوء على تغاضي «التيار الوطني الحر» فجأة عن خلافه مع حركة «أمل» عشيّة استحقاق رئاسة مجلس النواب ونيابتها، ولو أنّ عين التنية لم تنجُ من رصاص «التيار» الانتخابي «الطائش». ولكن حين هدأت العاصفة، حُيِّدت عينُ الرئاسة الثانية عن «احداثيات» الهجوم البرتقالي، وتصدّر اللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري واجهة العلاقة الثنائية الملتبسة على الدوام.

هكذا صار السؤال حول خلفية التصويب العوني على معراب مشروعاً، وهو بنظر المطّلعين له تفسيرات عدة، أبرزها:

– أولها وأهمها هو عودة «التيار الوطني الحر» إلى أحضان الضاحية الجنوبية بعد مرحلةٍ من التمايز ولو النسبي صبغَه التفاهمُ مع رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ومقتضيات الحماوة الانتخابية والتعبئة الجماهيرية، تحقيقاً لوعد قطعه رئيس «التيار البرتقالي» للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله بأن يكون خطابُ ما بعد الانتخابات غير ما قبلها، وبالتالي استعادة نسخة ما قبل المصالحة مع «القوات».

– دعم رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري الذي بات ينافس «القوات» على الموقع المتقدّم في السعودية، من خلال فتح «النار» ضدّ معراب والسعي الى إخراجها من الحكومة وأخذها بالإحراج والتضييق الحكومي الى صفّ المعارضة.

– حرف النظر عن الاشتباك مع الرئيس بري خصوصاً إذا اضطر «التيار الوطني الحر» الى حياكة تفاهم سياسي يجمع استحقاق رئاسة المجلس مع النيابة، ليكون بداية تعاون مستجدّ بين الفريقين عبر رئاسة الجمهورية ربطاً بالتطوّرات الإقليمية وبالموقع الذي يريده الرئيس عون لتياره السياسي.

– الإيحاء بأنّه يُمسك الساحة المسيحية بقبضة الزعامة، وحرف الأنظار عن الفجوات التي بيّنتها نتائجُ الانتخابات النيابية على المستوى التفضيلي. صحيح أنّ «التيار الوطني الحر» نجح في بلوغ المرتبة الأولى في عديد الكتل النيابية، لكنّ الغوص في الأرقام التفضيلية «للتيار» في الدوائر الانتخابية قد يفتح بابَ المساءلة، أو قد يثير التساؤلات حول أسباب تراجع الحضور العوني. الأمر الذي يتجنّبه باسيل.

لا بل أكثر من ذلك، أظهرت أرقام الأصوات التفضيلية أنّ الخطابات الاستفزازية لم تساعد على رفع منسوب «الخزان البرتقالي»، وانما انعكست انكفاءً من جانب الشرائح المستقلة والتي كانت تتماهى عادة مع «التيار العوني»، والتحاقاً من جانب المستقلّين الذين كانوا عادة يمنحون أصواتهم لـ»القوات». ما يعني بلغة السياسة أنّ المزاج المسيحي متمسّكٌ بالمصالحة ولم يعد يتقبّل خطابَ الحدّة المرتبط بالماضي.