أود أن أنظر الى مسألة رئاسة مجلس شورى الدولة من زاوية مختلفة عن سائر الزوايا التي طُرحت منها… فآذن لنفسي أن أعدّد النقط الآتية من موقع الإقتناع، بعيداً عن أي عامل آخر:
أوّلاً – لاشك في أنّ رئيس مجلس الشورى السابق القاضي شكري صادر يستحق كل تقدير واحترام. وبالتالي ليس في قرار نقله من موقع الى موقع آخر أي إنتقاص من قدره أو مقامه، أو مزاياه الكثيرة. ثم إنّ المناقلات في الوظائف كلها والأسلاك كلها هي حال معروفة جداً في لبنان وفي غير لبنان. وهي مبدئية ولا علاقة لها، عموماً، بأي مفهوم آخر، إلاّ استثناء. والإستثناء يؤكد على القاعدة ولا يلغيها.
ثانياً – إن معظم الذين تناولوا قرار نقل الرئيس صادر من رئاسة الشورى الى موقع قضائي رفيع إنما أساءوا الى الرئيس هنري خوري الذي عُين في رئاسة مجلس شورى الدولة من حيث يدري بعضهم ومن حيث لا يدري الكثيرون منهم، فبدا الأمر وكأن الرئيس خوري انتزع حقاً من الرئيس صادر. أو كأن الرئيس خوري يأتي الى موقع لا يستحقه. والقولان على خطأ جسيم.
فالقاضي هنري خوري لم «يقتنص» شيئاً من أمام أحد، ولم يُزح أحداً ليأخذ موقعه ويحل محله، إنما هو تلقى تعيينه بالشكر وبالمسؤولية المعروف بها هذا الرجل الذي يُعتبر مثالاً للقاضي النزيه الحر المستقل الذي لا يرجع في قراراته وأحكامه إلاّ الى ربه وضميره وما يقول به الكتاب… أي بما تنص عليه القوانين والأنظمة على خلافها التي تنطبق أحكامها على أي قضية أو مسألة تكون بين يديه بحكم موقعه ليحكم أو ليقرر فيها.
إن من يعرف هنري خوري، والكثيرون يعرفونه، يجزمون بأنه رجل الضمير، ورجل العلم، ورجل الإيمان بربه وبوطنه… وإن الأحكام والقرارات التي يصدرها تؤكد على أنه من معدن القضاة النادرين الذين لا يستسلمون لمداخلات، ولا يقيمون على الأعتاب، ولا يتساهلون في الحق وإحقاق العدالة.
لذلك كنّا نأمل من الذين تناولوا ويتناولون هذه المسألة أن يتعاملوا معها بالموضوعية والصدقية ولا شيء سواهما.
ثالثاً، وأخيراً وليس آخراً – ومن منطلق تأييدنا للقضاء، ومناداتنا دائماً بإنصاف هذا الجسم الذي شئناه منزّهاً، حراً مستقلاً (…) من هذا المنطلق كنّا نتمنى لو أنّ الجسم القضائي اللبناني اعتكف ضدّ التدخل السياسي في شؤونه، وضد الفساد، وضدّ تمادي الكثيرين من القضاة في عدم بتّ القضايا والدعاوى التي بين أيديهم والتي تمتد الى سنوات طويلة واحياناً الى عقود، فيموت المدعي ويرحل المدّعى عليه، والدعوى لا تزال في بدايتها ولو بعد أمد! لا أن يكون الإعتكاف فقط لسبب مادي على أهمية هذا السبب من دون أدنى شك.
وتلك ملاحظة أبديناها من محبتنا للجسم القضائي اللبناني الذي فيه أعلام كبار، ولنا فيه أقرباء وأنسباء وأصدقاء وأحباء. وقد تكون لنا عودة الى هذا الموضوع.