IMLebanon

في «العدو» الواحد!

خطأ التصويب الذي أنزل بعض الصواريخ الروسية التي انطلقت من بحر قزوين، في إيران بدلاً من سوريا، هو الرديف العسكري لخطأ التصويب السياسي الذي دفع بوتين إلى محاولة إحياء الجثة السياسية للسلطة الأسدية، فإذا به يحيي كل مجسّات الاستنفار عند أعدائه!

ولعبة الرموز فيها شيء ديني، يناسب ويتناسب مع الأبعاد الغيبية والسماوية التي يجري استخدامها لإعطاء شيء من القداسة لتلك الحرب الوسخة التي باشرها بوتين بالتواطؤ مع حلف الطغاة.. والتي تحاول بالقتل والإرهاب والعسف والنسف والنار والعار، أن تقول، إن كل السوريين خونة ومرتدون وإرهابيون ولا يستحقون العيش، في حين أن سلطة المافيا الفئوية الأسدية الرائدة في امتهان البشر وكرامات البشر وفي محاكاة الممارسات القروسطية الخارجة من أعمق أعماق العدم والشر والهلوسة، هي المؤهلة الوحيدة لتجسيد الصحّ ضد الخطأ والخير ضد الشر والنظام ضد الفوضى والقانون ضد الغوغاء والاعتدال ضد التطرف!

وعلى ما قال لينين مرة، من أن الخطوات السياسية تقاس بنقلة النملة وليس بالأمتار، فإن أخطاء التكتكة المتبعة من قبل القيصر المأمول تؤشر بوضوح نافر إلى خطيئته الاستراتيجية التي تخمّر في خوابيها ذلك الاستسهال الخبيث في دمغ الأكثرية الإسلامية بالإرهاب. أو في استخدام ذلك المعطى باعتباره وباء تاماً، واصفراره قاتلاً ومعدياً.. مع أن الارهاب الداعشي تحديداً، وعلى ما يعرف بوتين شخصياً بحكم خبرته وتجاربه ومن ثم سلطاته، تختلط في إنتاجه واستخدامه وتوظيفه وإشاعته ماكينات نظامية كبرى وغرف عمليات تابعة للمحور نفسه الذي يدّعي ذلك القيصر قيادته وريادته في هذه الأيام، ويوزّع بيانات كاذبة بالطول والعرض عن استهداف مقاره ومراكزه وقياداته، في حين تقول الحقيقة المستقاة من أهل المعارضة السورية على الأرض ومن غرف الرصد العسكرية التابعة للأتراك والغربيين وبعض الدول العربية، أن أكثر من تسعين في المئة من الغارات الروسية تنصبّ على أهداف بعيدة عن «داعش»!

في هذه المهزلة الدموية المفتوحة، لا يخجل الروس من الكذب، ولا يخيّب «داعش» الرجاء.. بحيث إنه فيما طوّشت ماكينة محور الطغاة الأسماع، من أن الغارات الجوية تواكب هجوماً برياً لبقايا السلطة الأسدية ومن معها من مدد مذهبي في ريف حماه الشمالي تحديداً، إذ بالأخبار الآتية من ذلك الشمال المنكوب تتحدث عن تقدّم لـ»داعش» باتجاه حلب!

ولا يخجل الروس في أدائهم. ولا يقدم نجباء محور الممانعة في نواحينا ما يغيّر الانطباعات عن كونهم أسياداً في تطويع المستحيل إذا ناسبهم وناسب مصالحهم: يتغزّل صاحبهم في موسكو بإسرائيل علناً، ويتعهد أمام الملأ بحرصه المكين على أمنها واستقرارها ومع مفعول رجعي، مثلما فعل عندما قال لنتانياهو أمام كاميرات التلفزيون إن الصواريخ التي استهدفت إسرائيل سابقاً(!) لم تكن صناعة روسية بل محلية وبدائية! ويرسل نائب رئيس أركانه مع نخبة من ضباطه إلى تل أبيب وتُعقد اجتماعات ولقاءات على أرفع مستوى مع القيادة العسكرية هناك وتحت سقف واضح ومحدد هو «طمأنة» إسرائيل إزاء العسكرة الجارية في سوريا.. ومع ذلك كله يطنّش محور الجبابرة الممانع ويعطّل حواسه كلها دفعة واحدة، في السمع والنظر واللسان! وإذا قرّر شيئاً معاكساً، لا يتورّع عن الكذب المفضوح، وتحميل الروس مواقف وادعاءات وبطولات وخزعبلات يقولون هم عكسها بالتمام والكمال!

عبيط أو بريء من يفترض أن القيصر المأمول يعتبر أنه يُخطئ في سوريا. أو أن محور الممانعة المدعاة في نواحينا، مهموم ضميرياً وإنسانياً و»جهادياً» وتاريخياً ومصيرياً بذلك الاحتضان الروسي لإسرائيل، بكل ما يعني الاحتضان من تفاصيل عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية ووجدانية و»أسرية» على ما أفصح بوتين نفسه أيضاً.. الأمر في إطاره العام يمكن اختصاره بفكرة واحدة طاغية طغيان نور الشمس على عتم الليل: «عدو» واحد يجمع كل هؤلاء، هو الأكثرية العربية والإسلامية، ولا شيء آخر!.. وكل سلاح في محاربة هذا «العدو» يهون. ومن «داعش» إلى إسرائيل! أم ماذا؟!