Site icon IMLebanon

عن احتمال توطين اللاجئين السوريين في لبنان

مثلما أحدث إعلان إنهاء مهمة الوكالة الدولية (الأونروا) سنة 2010 بلبلة سياسية بسبب تسليم شؤون اللاجئين إلى البلدان المضيفة… هكذا أحدث تقرير أمين عام الأمم المتحدة بان كي – مون ضجة سياسية واسعة بسبب إيحائه بضرورة دمج مليون ونصف المليون لاجىء سوري بالمجتمع اللبناني.

ومع أن الأمين العام أنكر التفسير الذي استنتجه المسؤولون اللبنانيون، مدّعياً أنه تقيَّد بنصوص المواثيق الدولية الخاصة بموضوع اللاجئين… إلا أن حملة السخط والغضب ظلت تلاحقه حتى الساعة.

والسبب أن لبنان تعرض خلال تاريخه الطويل إلى موجات لجوء لم يكن الأرمن أولها.. ولا الفلسطينيون آخرها. علماً أن المقارنة بين هجرة الفلسطينيين ونزوح السوريين ليست دقيقة بدليل أن النظام السوري ما زال يحتفظ ببعض المرتكزات الشرعية. في حين ألغى قرار إنشاء دولة إسرائيل في الجمعية العامة سنة 1947 ما كان يُعرَف تاريخياً بدولة فلسطين. ولكن الدعم الدولي لإسرائيل لم يقتصر على استلاب الأرض فقط، وإنما تابعها بواسطة واشنطن، بهدف إقناع الدول المضيفة – وفي مقدمها لبنان – من أجل إلغاء حق العودة والتعويض، واستبدال القرار بالتوطين.

وكان أول موفد أرسلته الولايات المتحدة إلى بيروت يُدعى جورج ماجي، منظم مساعدات النقطة الرابعة لبلدان الشرق الأوسط. وقد التقى مدير الخارجية اللبنانية فؤاد عمّون في منتصف نيسان (أبريل) سنة 1949. أي بعد سنة واحدة من افتعال حرب توسيع رقعة إسرائيل! وكان سفير لبنان في واشنطن، الدكتور شارل مالك، قد حذّر الحكومة اللبنانية من الغاية المبيَّتة لزيارة الموفد الأميركي «ماجي»، مؤكداً أن الهدف منها إقناع الدولة اللبنانية بتوطين اللاجئين الفلسطينيين.

وهذا ما عرضه «ماجي»، مدّعياً أن مئة وعشرين ألف لاجىء فلسطيني لا يؤثرون في التوازن الديموغرافي. وأجابه عمّون أن هذا العدد يشكل ما نسبته عشرة في المئة من عدد سكان لبنان. المهم، أن الزيارة لم تُثمر، الأمر الذي فرض على واشنطن تكرار التجربة بواسطة جوزيف جونسون، مندوب لجنة التوفيق لقضية فلسطين، الذي زار لبنان في 9 -9 -1961.

وقد استقبله فيليب تقلا، وزير الخارجية والمغتربين، بحضور المدير العام فؤاد عمّون. ثم زار في اليوم التالي الرئيس صائب سلام الذي دارت بينه وبين المندوب الأميركي نقاشات حادة حول تعريف الكلمات المرتبطة بعودة اللاجئين وحقوقهم المشروعة. وسأنقل في هذه المناسبة جزءاً من النص الحرفي للتقرير الذي وضعه فؤاد عمّون عقب انتهاء زيارة جوزيف جونسون. بدأ الزائر حديثه مع الوزير تقلا بالإدعاء أن مهتمه هي استطلاعية ترمي إلى السعي إلى تنفيذ الفقرة 11 – من التوصية الصادرة في 11-12-1948. أجابه الوزير اللبناني: إن الدولة متضامنة وسائر الدول العربية إزاء القضية العربية المشتركة. ثم زاد: إن القرار الصادر سنة 1948 ينص على عودة اللاجئين الى فلسطين أو التعويض عليهم. أجابه جونسون مضيفاً على كلام الوزير: بل العودة أو التعويض، أو الاستيطان في البلاد التي يقيمون فيها استناداً الى تعبير RESETTLEMENT الوارد في القرار. واعترض الوزير تقلا على التفسير الملتبس، قائلاً: إن هذه الكلمة لا تعني الاستيطان في البلدان العربية التي يقيم فيها اللاجئون، بل يعني عودتهم للاستيطان في فلسطين. ومثل هذا الربط ليس قائماً بموجب قرار التقسيم الذي تجاوزت اسرائيل الحدود التي رسمها… وإنما استناداً الى بروتوكول لوزان الذي تنكرت له اسرائيل بعدما وقعه ممثلها بحضور «لجنة التوفيق». وتوقف الوزير تقلا عن الكلام، ليزيد على ما قاله، بأن لبنان يعجز عن استيعاب لاجئين يقدَّر عددهم بعشرة في المئة من عدد السكان. هذا إضافة الى تعلق عرب فلسطين بوطنهم، وترقبهم اليوم الذي يعودون فيه اليه، وفقاً لمبادىء الأمم المتحدة والعهود الدولية وحقهم الطبيعي. عندها سأل جونسون ما إذا كان الفلسطينيون على استعداد لتغيير موقفهم مراعاة للأمر الواقع! أجاب الوزير أن اسرائيل متشبثة بموقفها السلبي الرافض أي تعاون لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة. ولماذا يبدِّل اللاجئون موقفهم؟

وأثناء إجتماع جونسون بالرئيس صائب سلام، كرَّر حديثه عن الاستطيان في لبنان، لأن التضحية تفضي الى حل القضية وإشاعة السلام. وقال سلام إن العرب أرغِموا على التضحية بالكثير الغالي، وإن إرادة اللاجئين مشدودة نحو العودة الى الوطن السليب.

ويُستخلَص من مضمون ذلك التقرير الصادر سنة 1961، أن الإدارات الاميركية المتعاقبة ظلت تمارس سياسة التسلل الديبلوماسي على امتداد 68 سنة، لعل لبنان يرضى بالأمر الواقع الفلسطيني ويقبل بتوطين 480 ألف لاجىء. وكل ما فعلته المحاولات الجارية لقبول دمج اللاجئين، أو النازحين السوريين بالمجتمع اللبناني هو إجراء «بروفة إعلامية بغرض تمرير رسائل سياسية لمَن يعنيهم الأمر. الرسالة الأولى جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أعرب عن التزام دولته بمساعدة لبنان على التعامل مع وجود أكثر من مليون نازح سوري. وقال في مؤتمر لندن لدعم سورية، إن واشنطن قدَّمت أكثر من 133 مليون دولار مساعدات إنسانية طارئة للاجئين السوريين والمجتمعات التي تستضيفهم في لبنان. وهذا ما يرفع إجمالي المساعدات الإنسانية الأميركية الى لبنان المتعلقة بالأزمة السورية الى ما يقارب من بليون ومئة ألف دولار. الرسالة الثانية جاءت على لسان أمين عام الأمم المتحدة، التي تحدثت عن «إدماج» اللاجئين السوريين من طريق منحهم تشريعات قانونية تؤمن لهم البنية التحتية الملائمة بغرض تسهيل ظروف إقامتهم.

ولما قوبلت هذه الدعوة بالرفض القاطع من قِبَل رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وسائر الوزراء، تراجع بان كي – مون عن موقفه، وادعى أنه استند في بيانه الى بنود معاهدات ومواثيق دولية متخصصة في موضوع اللاجئين.

وكان من الطبيعي أن تدافع عن موقف الأمين العام المنسقة العامة للأمم المتحدة سيغريد كاغ، مؤكدة أن التقرير يعالج التحركات الكبيرة للنازحين والمهاجرين في العالم، من دون أن يكون معنياً بالسوريين أو الفلسطينيين الموجودين على الأرض اللبنانية.

كل هذه الأعذار لم تقنع اللبنانيين بأن ما أعلنه الأمين العام لا يعنيه، وبأن مصير مليون ونصف المليون لاجىء سوري بدأ يتداخل مع مصير أربعة ملايين لبنانياً. خصوصاً أن النظام في دمشق رفض انتسابهم اليه عندما قررت الدولة اللبنانية إنشاء مجمعات تحتضنهم على الحدود بعد المصنع، وبعد مخيم نهر البارد. ولما عرض لبنان هذا المشروع على النظام الحاكم في سورية، كان الجواب سلبياً بحجّة أن الذي اندفع خارج الحدود، إن باتجاه تركيا أم باتجاه الأردن أم باتجاه لبنان، من دون أن يأخذ موافقة الأمن العام السوري، لن يُسمَح له بالعودة!

وبناء على هذه الخلفية المقلقة، بدأت الدولة تستشعر خطورة الوضع، وتفسر جواب دمشق بأنه إقرار بالعجز، لأن الأراضي السورية موزعة بين تنظيمات المعارضة والقوات الإيرانية والروسية. كما أن نفوذ المليشيات المقدَّر عددها بمئتي ألف مقاتل، موزعة على 18 تنظيماً شيعياً، وأكثر من مئة تنظيم سنّي. ويقدِّر مراقبو الأمم المتحدة أن عملية جمع السلاح في حال توقف القتال، وهُزِمَ «داعش»، يحتاج الى خمس سنوات، وإلى خمسين ألف مراقب ومجنَّد. أما بالنسبة الى إعادة الإعمار، فإن مشروع تأمين السكن والكهرباء والمياه وبناء المدارس والمستشفيات لأكثر من سبعة ملايين لاجىء في تركيا ولبنان والأردن… هذا المشروع يحتاج الى مدة طويلة بكلفة قدَّرها البنك الدولي بـ 245 بليون دولار. وهذا، في حال أعيد توحيد البلاد واضطرت الحكومة الفيديرالية التي تحدث عنها الرئيس فلاديمير بوتين، الى تقليص الإنفاق والتزام إجراءات التقشف بغرض إنعاش الاقتصاد المنهار.

بقي السؤال الأهم: في حال توقفت الحرب، هل يستطيع كل مواطن سوري العودة الى منطقته… وإلى منزله؟

تجيب المصادر الأميركية والروسية والإيرانية بالنفي، لأن الدول الكبرى عادت لتقتنع بضرورة استمرار الحدود التي رسمها اتفاق سايكس – بيكو. والسبب أن هذه الدول رأت في محو الحدود المعتمدة قبل مئة سنة، إقحام شعوب الشرق الأوسط في خيارات صعبة شبيهة بخيارات القارة الأفريقية كالعشائرية والعنصرية والقبلية، وما الى ذلك.

ومع بقاء الحدود الخارجية كما رسمها ممثلا بريطانيا وفرنسا، يسمح في الوقت ذاته بتغيير التصاميم الداخلية بحيث يمكن الدولة العراقية أن تصبح ثلاث دول… والدولة الليبية السابقة ثلاث دول.. والدولة اليمنية دولتين… والدولة السورية خمس دول على أقل تقدير.

ومن المؤكد أن التنظيم الجديد للدويلات السورية المستحدَثَة ستضيق مجالاتها على استيعاب سبعة ملايين لاجىء. لهذا السبب تفرض ألمانيا على كل لاجىء سوري أن يتعلم اللغة الألمانية لأن إقامته ستطول… ولأن عودته قد تحاكي عودة اللاجىء الفلسطيني إلى فلسطين!