يجب الاعتراف بكل موضوعية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي بأنه في جولاته الدورية على المناطق اللبنانية اختط نهجا كنسيا ولبنانيا ووطنيا يسمو الى رسالة بكركي التاريخية. ولعل افضل ما واكب جولته البقاعية الاخيرة انها بدت بمثابة تلطيف للأنفاس الخانقة التي تطبق على اللبنانيين. وليس ادل على ذلك من الحفاوة البقاعية العميمة التي استقبل بها من كل تلاوين أهل البقاع، سنة وشيعة ودروزا اسوة بالمسيحيين واكثر في ما يعكس عراقة معدن هذه المنطقة الفسيفسائية النموذجية.
ولا نثير ذلك من منطلق امتداح البطريرك في ما هو مستحق، وانما من زاوية تكاد تشكل مفارقة مفجعة بحيث تتظهر معها الاتجاهات الموغلة في التأزيم الداخلي في صورة عناوين مسيحية مضخمة من شأنها إعفاء سائر الشركاء الوطنيين من تبعة الغرق التصاعدي للبنان في موجات التصعيد المتعاقبة. آخر هذه الفصول ولن يكون آخرها يرسم صورة بوادر صدامية بين الزعامة العونية وقيادة الجيش، أي بالمعطى الطوائفي الصريح بين الموقع السياسي الماروني الابرز الذي يحتله العماد عون والموقع الماروني الثاني في الدولة الذي تمثله قيادة الجيش. وأول خلجات الأزمة أيضاً بدأت اساسا مع الفراغ الرئاسي على خلفية تعطيل وضع في خانة مارونية ومسيحية ولا يزال، ومن ثم جرجر ذيوله تصاعديا فصار تعطيل مجلس النواب الأخ الشقيق لهذه التبعة وها هي تبعة شل الحكومة تتأهب بدورها للالتحاق بالمنظومة إياها.
لا ندري حقيقة مدى الحكمة في حسابات تضع المسيحيين في عين هذه العاصفة والى متى يمكن الاستغراق في تقديم العامل المسيحي عنوانا صارخا متقدما للأزمة يحجب كل العوامل الاخرى خصوصا متى كانت هذه الاخيرة لا تقل تأثيرا واعتمالا “وتشغيلا” لمحركات التأزيم عن العامل المسيحي.
لماذا يجب ان يكون التمديد عامل إذكاء لصراعات مسيحية أو عنوان مظلومية مسيحية فيما آفة التمديد في كل شيء هي عنوان أكبر أزمة سياسية لبنانية بل أزمة نظام ودولة ومجتمع سياسي سواء بسواء؟ ولماذا يتعين على المسيحيين أن يوضعوا عند كل محطة من محطات الصراع على السلطة في البرلمان والحكومة امام جلد ذات يحملهم وحدهم دون الآخرين تبعة انهيار النظام الدستوري؟ حتى اننا نتساءل بواقعية مطلقة هل يبدو المسيحيون اليوم على اقتناع ساحق بان آليات التصعيد الجارية على يد الفريق العوني تشكل اولوية حقيقية لديهم من شأنها الضرب على نبضهم ما دامت تستند الى مطالب جهوية وسياسية وشخصية في النهاية؟ وفي المقابل كم تبدو القوى المسيحية الاخرى متألقة فعلا في استسلامها لتقية سياسية انتهازية تقعدها عن كل مبادرة؟
ترى ماذا لو ينظم سيدنا البطريرك جولات للزعامات المسيحية بمعيته على بقاع لبنان كله، عَلها وصفة لتبريد الحمم؟