عندما قال فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الكلمة الأولى له بعد ثمانية أيام من التظاهرات، إن “الذهنية الطائفية هي أساس مشكلات البلد”، بالتأكيد تبادر الى أذهان المتظاهرين على امتداد الوطن رسالة فخامته الى مجلس النواب بخصوص القانون 95، القاضي بإلغاء طائفية وظائف الإدارات الرسمية إلا في الدرجة الأولى، كذلك تذكروا رفضه وفريقه السياسي تثبيت الفائزين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية بالوظائف المفروض انهم حصلوا عليها بجهدهم وكفاءتهم، ما كاد في حينه ان يطيح موازنة 2019.
لذا قرروا ان يواصلوا ثورتهم حتى تغيير الطبقة الحاكمة، التي حسب قادتها انهم قاموا بالواجب وأكثر، واستحقوا الترقيات.
فاتهم أنهم كانوا يستهينون بهذا الشعب، معتبرين أنهم بفعل الجهود التي بذلوها، نجحوا في تعليب اللبنانيين في عبوات مفروزة حسب الألوان، تحتوي “شيعة من أشرف الناس”، و”موارنة من صنف شعب الله المختار”، مهدّدين بالإبادة على يد “السنة التابعين لمحور داعشي متطرف”، و”دروز معزولين خائفين” يشعرون أنهم لا يستوجبون أكثر من غزوة أو غزوتين ليصبحوا من التاريخ.
فالظاهر أن الفساد فتك بهذه الجهود، وتبين بالعين المجردة أن العبوات فارغة إلا من خواء الخطاب السياسي الحالي لهذه الطبقة، وكأن كل الإنفاق الذي خصصته الأحزاب الطائفية لتكريس هذه المعادلات طوال أكثر من عقدين، هوى مرة واحدة، فالتمرد اللبناني الحارق الخارق، استفاق على حين غرة، وفضح بضاعتهم الفاسدة، فتشظت جهودهم وباتت تصعب لملمة نتفها المتطايرة، بفعل صرخة واحدة أعادت الشعوب اللبنانية التي أُريد لها أن تبقى متنابذة الى لبنانيتها، لا أكثر ولا أقل، الى البقاء في الشارع حتى تسقط التركيبة السلطوية.
زَرْعُ الطبقة السياسية لم يؤت جناه. وكلما أطل واحد من أركانها بخطاب أو اقتراح أو أوعز لزعرانه بتظاهرة مضادة أو اعتداء أو جولة دراجات نارية للتهويل على المتظاهرين، إزداد الإقبال على الساحات.
الأمر يبعث على التفاؤل والأمل لكن، وبالتوازي مع الامل، يبقى الخوف الذي يحرك هواجس من عاش رجباً ورأى عجائب المخططات المرسومة لهذا البلد.
الخوف من أوراق السلطة وأساليبها التي لا تفكر الا بإعادة الشعب الى بيت الطاعة. وكلنا عايشنا قذارة ما يمكن ان يفعل الخائف على فقدان السلطة. والاستشراس سيرفع منسوب وحشيته، لأن اللبنانيين توحدوا في مطالبهم ووحدوا حكامهم في تصنيفهم “كلهم يعني كلهم”، الامر الذي قزم البيئات الحاضنة لهذا الحزب أو ذاك، لتقتصر على عقائديين ومنتفعين يروّجون لنظرية المؤامرة.
القراءة غير الرومانسية تؤكد أن مكمن الخطر السلطوي في لاأخلاقية الطبقة السياسية. وما يمكن ان تقوم به للمحافظة على مكاسبها لا يستهان به.