IMLebanon

عن «فلتات شوط» النسبية!

 

كان يُنتظر أنّ تحلّ النسبية على قانون الانتخابات، نعمةً، يُراد منها تصحيح التمثيل النيايي المعتلّ منذ توقيع «اتفاق الطائف» وحكوماته المتعاقبة، بخلل النظام الأكثري بسبب اعتماده في دوائر كبيرة ومتوسطة… وإذ بها تصير «لعنة» تثير عاصفةً من الفوضى، خصوصاً في المنظومات الحزبية التي بدت عاجزةً عن ضبطِ بيوتِها ومرشّحيها بسبب «حروب الإخوة» على «الصوت التفضيلي».

بهذا المعنى، لو قُدّر لبعض الأحزاب والقوى السياسية الانقضاض على القانون الجديد قبل بلوغ الخطوط الحمر التي تفرضها المهَل الدستورية لنسفِه من أساساته، والإبقاء على سيف «قانون الستّين» مصلتاً على رقاب اللبنانيين، نظراً للتوقّعات المتشائمة التي تقدّرها الدراسات واستطلاعات الرأي، لَما «قصَّر».

لكنّ إرادة التمسّك بالنسبية «على علّاتها» كانت أقوى من رغبة المعترضين والمهجوسين بالنتائج التي ستأكل من أطباقهم، فكان السادس من أيار بتوقيع «مقصلة» النسبية التي سطّرَت نجوم الأصوات التفضيلية، كذلك فرَزت نواب «فلتة شوط» سيتمكّنون من تعليق «اللوحات الزرقاء»، بكلفةِ مقدارُها… «حفنة» من الأصوات التفضيلية.

عملياً، تؤكّد الأرقام والنتائج أنّ القانون الجديد نجَح في تحسين التمثيل المسيحي، وهي العلّة الأساس التي كانت تشكو منها القوى المسيحية لترفعَ لواء تغيير قانون الانتخاب. وقد تقلّصَت نسبة المقاعد المسيحية المنتخَبة بالصوت غير المسيحي إلى حدودها الدنيا، ما يَعني أنّ القانون أدّى قسطه الى العلى، وأنجَز المهمة المطلوبة منه.

لكن ثمّة إفرازات استثنائية للنسبية كما قُدّمت في القانون، قد تدخل التاريخ من الباب العريض. كأن ينتخب مثلاً نائب بـ 42,137 صوتاً (نبيه بري) فيحصد 86.877% من الأصوات التفضيلية (هو صاحب أعلى سكور تفضيلي)، وأن ينجح مرشّح آخر بـ77 صوتاً تفضيلياً فقط (ادي بوغوس دمرجيان). الاثنان متساويان في الحقوق والواجبات، لكن أحدهما وصَل إلى مجلس النواب على «بلدوزر» أصوات، بينما استقلّ الآخر درّاجة هوائية!

دمرجيان لن يدخل وحده المجلسَ بقليل من «أوراق التوت» التفضيلية، لا بل هناك رباعيّ نيابي، لم يتخطّ حاصلَ كلّ واحدة فيهم، الألف صوت، كان نجاحهم بمثابة هدايا قدِّمت للّوائح التي عبَروا على متنها إلى برّ النيابة. كلٌّ له حيثيته في الفوز والأسباب التي جَعلت من ترشيحه بمثابة «ورقة لوتو» رَبحت على غفلة.

الأرجح أنّ ثلاثة منهم خاضوا المعركة بروحية «الانتحاري» الذي لا يريد شيئاً لنفسِه. الترشّح أشبَه بـ»كمالة لائحة» لا أكثر. فرصة النجاح لم تتعدَّ لحظة الانضمام إلى التحالف الانتخابي، الـ1%. ولهذا كان الفوز استثناءً لا قاعدة.

بالنسبة إلى دمرجيان، فقد نال الرَجل «الجائزة الكبرى» نتيجة «نزاع الكبار» في عاصمة الكثلكة، زحلة. فقد صحَّت توقّعات لائحة نقولا فتوش – «حزب الله» بتأمين حاصلين اثنين، لكنّ المفاجأة كانت في عدم تمكّنِ فتوش من تجاوزِ منافِسيه الكاثوليك، وتحديداً مرشّحي «القوات» و»التيار الوطني الحر» اللذين تصدّرا نسبة الأصوات التفضيلية في قائمة المرشحين الكاثوليك. فدفع فتّوش الثمن، ليحصدَ دمرجيان الزرع.

هكذا استيقظ مصطفى علي الحسيني نائباً بعدما نام مجرَّد مرشّح على لائحة فريد الخازن – فارس سعيد – الكتائب. لم يحتج الرَجل أكثر من 256 صوتاً ليصبح من أصحاب «السعادة». ركّزت اللائحة اهتمامَها على المقاعد المارونية، لكن عدم تمكّنِ لائحة «حزب الله» من تخطّي الحاصل الانتخابي، جيَّر المقعد للائحة الخازن – سعيد – الكتائب كونها الأقربَ الى الحاصل الثاني. ولمّا كان نزاع الموارنة على أشدّه ورفع الأرقام الى مستويات عالية وتجييش «حزب الله» خزّانه، كانت الهدية من نصيب المقعد الشيعي.

في جزين، اختلفَت المسألة بعض الشيء. هنا تيّار «المستقبل» قدّم المقعد على طبق من فضّة لـ»التيار الوطني الحر». المرشّح ابراهيم عازار حلّقَ بأرقامه (11,663 صوتاً تفضيلياً) كونه غَرف من المعجن المسيحي وبَلع «البحر الشيعي» في المنطقة، فيما توزّعت الأصوات البرتقالية بين النائبَين زياد أسود وأمل أبو زيد، ما حالَ دون تمكّنِهما من منافسة عازار في «غلّته» التفضيلية. ولمّا عجز تيار «المستقبل» عن بلوغ الحاصل الثاني، ولو أنه خطّط لبلوغه، كانت الهدية لـ»التيار الوطني الحر» فوضَع المقعد الكاثوليكي في حضنه، ليكون سليم خوري مرشّح الـ 708 أصوات.

العميد المتقاعد أنطوان قسطنطين بانو خاضَ معركته وكأنّه سُيعلن أوّل الفائزين. كان واثقاً من حضوره بين أبناء دائرة بيروت الأولى، لكنّ تركيز «التيار الوطني الحر» على المقعد الكاثوليكي، على اعتبار أنّ شاغله نائب رئيس «التيار وسقوطه «فضيحة» بحقّ التيار، سيَّلت كلّ الأصوات في صندوقة نيكولا صحناوي، ولم يبقَ للعميد المتقاعد إلّا 539 صوتاً، نَقلته بين ليلة وضحاها من مرشّح خاسر إلى نائب فائز، بعدما نقل قليل من الأصوات، الكسرَ الأكبر من لائحة «الحراك المدني» إلى لائحة «التيار الوطني الحر»- تيار «المستقبل»- «الطاشناق»- «الهنشاك».

في حالة الدائرة الأولى، صَدقت التوقّعات التي كانت تقول إنّ مقاعد الأقليات الطائفية في الدوائر المختلطة، ستكون بمثابة هدايا تُقدّم للّوائح صاحبةِ الكسر الأكبر. وهذا ما حصل.