IMLebanon

حول عقم التسوية بين «حزب الله» والدولة

«إن لبنان يفقد قيمته عندما يصبح ديناً واحداً

وعقيدةً واحدةً وحزباً واحداً»

(البطريرك الراعي)

أصدق قول في «حزب الله» كان للرئيس نجيب ميقاتي أثناء رئاسته للحكومة التي رشحه لها حسن نصر الله. وعلى الرغم من فضل الحزب عليه، أولاً في دفع سعد الحريري إلى الخروج من الحكم، وثانياً في اختياره هو من بين الشخصيات السنية، بعد أن تبين لنصر الله أن المرحوم الرئيس عمر كرامي كان «غير قادر على حمل الرئاسة». وحسبما أعرف هو أن وليد جنبلاط من جهة وبشار الأسد من جهة أخرى، لعبا دوراً أساسياً في الإختيار لأسباب شتى.

المهم أنه رغم كل ذلك، عندما سُئل عن رأيه بـ «حزب الله» قال بالحرف: «علينا اعتبار حزب الله كورم في الجسم اللبناني، ولست أدري إن كان حميداً أو خبيثاً لكنه ورم يجب أن يُستأصل…»

قد يقول البعض أن كلام الرئيس ميقاتي أتى لإرضاء جمهوره، وقد يكون هذا هو الواقع، لكن مهما بالغنا في النفاق، أو طمرنا رؤوسنا في الرمال، فإن وجود حزب الله في لبنان بالذات، بكل ارتباطاته وعقيدته وقناعاته يعني بأن كل محاولات العلاج للتوفيق بين الورم والجسم ستبقى غير مجدية، وإن تمكنت من تسكين الأمور لفترة من الزمن.

في العقيدة:

قد يقتنع بعض المسيحيين في لبنان بما روّجه بعض قياديي التيار «الوطني الحر» لتسويق التحالف مع «حزب الله»، بأن الولي الفقيه هو بمثابة البابا عند الكاثوليك، وبالتالي فهو يشكل مرجعية روحية ليس إلا.

لكن ما فات هؤلاء هو أن الولي الفقيه يشكل بالنسبة إلى «حزب الله» مرجعية سياسية وعسكرية ودينية وعقائدية مطلقة، ويعتبر المحاربون أنفسهم جنوداً في جيشه يتحركون بفتاوى تصدر عنه، وبما أن وظيفة الولي الفقيه هي تحضير الأرضية لعودة المهدي من غيبته الكبرى ليقود المعركة ضد الشر، فإن أفراد «حزب الله» يعتبرون أنفسهم طلائع القوات التي سيقودها المهدي. وهذا الكلام لا ينكره أتباع هذه العقيدة لا بل إنهم يفخرون به.

في الحدود والأوطان:

بناءً على ما سبق، فإن الأوطان ما هي إلا كيانات وهمية ومؤقتة، والحدود لا وجود لها إلا نظرياً. يعني أن مسألة 10452 كلم² لا وجود لها في قاموس حزب يؤكد رئيسه في خطاباته العلنية بأن الحدود زالت وأن قدرة حزب الله في الحكم تفوق بعشرات الأضعاف مساحة لبنان،وبأنه حزب أممي لا يمكن حصر وجوده وأنشطته في وطن صغير مثل لبنان.

في السياسة:

بطبيعة الحال فإن كل ما سبق وضع «حزب الله» في معسكر يقوده وينسج سياسته وتحالفاته وعداواته الولي الفقيه. وبالتالي فإن مصلحة كيان صغير مثل لبنان تصبح كما هو واضح في مهب الريح، قياساً برؤيا الولي الفقيه الإستراتيجية الموحى بها من الماورائيات وبالتالي فهي غير قابلة للرد. فحسب قول نعيم قاسم في كتابه عن حزب الله: «الولي الفقيه يضع الاستراتيجية العامة، ونحن نقوم بالعمل على تحقيقها من خلال اجتهاداتنا»، لذلك فإن الحديث عن سيادة سياسية بالنسبة إلى «حزب الله» تبقى مرهونة بتبعية لبنان لمنظومة الولي الفقيه.

في الأمن والعسكر:

«حزب الله» يُعتبر أحد فيالق النخبة في الحرس الثوري، وبالتالي فإن السياسات الأمنية والعسكرية الكبرى تُرسم في إيران، وعلى الأرجح تناقش مع قيادة الحزب.

هذا يعني ايضاً أن هذا الفيلق مقتنع بتنفيذ المخططات المرسومة أمنياً وعسكرياً بغض النظر عن تاثيرها على الساحة المحلية. وهذا ليس مستغرباً على اعتبار أن حكم الولي الفقيه يمتد على مساحات واسعة، لبنان ما هو إلا جزء منها، وبالتالي فإن الأهم هو مصلحة الكيان الأكبر وهي بالتأكيد فوق مصلحة كيان صغير مثل لبنان.

أما عن استسهال القتل والإغتيالات والعبث بالأمن، فككل حزب على شاكلة «حزب الله»، يكفي أن تخدم الجريمة الرؤيا الاستراتيجية لولاية الفقيه ليتحول الحرام حلالاً والحلال حراماً.

في الإقتصاد:

لا يملك «حزب الله» أي رؤيا في الإقتصاد ما عدا ما يسمونه «إقتصاد المقاومة». وهذا يعني أن لبنان هو أرض مواجهة وعليه أن يوجه اقتصاده على هذا الأساس، وبالتالي فإن كل القواعد التي يظن اللبناني بأنها أسس اقتصاده من خدمات وسياحة واستثمارات تصبح في مهب الريح.

في الإجتماع:

لا شك أن ولاية الفقيه فرضت قواعد صارمة على الإيرانيين، ومن ضمنها أنماط الملبس وقواعد أخرى لا أظن أن معظم اللبنانيين بطوائفهم المتعددة يمكنهم قبولها إن حكم «حزب الله» بناءً على قناعاته العقائدية.

بالمحصلة، ليس من الممكن اليوم أن تستمر هذه المعادلة المسماة زوراً «شعب وجيش ومقاومة» طالما أن النمط الذي تفرضه هذه المقاومة يلغي كل خصوصيات لبنان. فإما أن يزول «حزب الله» أو يزول لبنان.

(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»