من الخطير عليك أن تكون أنت على صواب عندما يكون الحاكم على خطأ» فولتير
قد يكون الحدث التركي مؤشراً كبيراً الى نهاية عهد الإنقلابات العسكرية، والأهم هو أنّ الوعي العام للناس لم يعد متأثراً بسطوة البندقية على الرأي، وأنّ معظم الناس لم يعد يخضع للنجوم والنياشين التي تُزيّن صدوراً لا تعلوها إلّا الرؤوس المنتفخة بالفراغ الفكري والثقافي والأخلاقي.
التهنئة الواضحة هنا هي للمواطنين الأتراك، معارضة وموالاة، إسلاميين وعلمانيين، أحزاباً ونخباً أفشلوا الإنقلابات حفاظاً على حرّية الرأي وعلى استمرار تقاليد اختيار الحاكم من خلال صناديق الإقتراع.
كلّ ذلك لم يأتِ لأسباب محلّية تركية فقط، فثورة التواصل بين البشر ألغت خيارات “السيادة الوطنية” التي كانت الحجّة الدائمة لأيّ متسلط لكي يقمع ويستأصل كلّ تحرّك معارض له.
المهم اليوم أنّ دولة بحجم تركيا وأهميتها الإقليمية، تمكّن مواطنوها من قمع جموح العسكر ودباباتهم، معلنة إنتهاء عهود الديكتاتوريات العسكرية، وبالتالي التمسّك بخيار الديموقراطية، مع كلّ الشوائب التي تعتري هذا النوع من الأنظمة، ولكنه بالنهاية، وبمعطيات هذا العصر، السبيل الأفضل للإستقرار وللتداول السلمي للسلطة، وما يستتبع ذلك من الرفاهية والنمو.
وتركيا كانت مثالاً واضحاً بهذا الخصوص حيث تمكنت من التقدم بسرعة هائلة في سلّم الإقتصاد والأهمية الدولية خلال أقلّ من عقدين من الحكم الديموقراطي، وذلك على الرغم من أنّ الصراع السياسي كان على أشدّه، ولا يزال، خلال هذه الحقبة.
الدرس هنا هو أنّ بإمكان الديموقراطية الحفاظ على الإستقرار الأمني والإجتماعي والإقتصادي، حتى في ظلّ الصراع المحموم على الحكم وفلسفته، طالما أنّ الأمور بقيت بالخيارات السلمية.
لكنّ الأهم من الإحتكام إلى صناديق الإقتراع التي قد تنتج عن حالة شعبوية عاطفية في بعض الأحيان، هو المحافظة على استقلال السلطات الدستورية والقضاء المستقل، والمحافظة على الحرّيات العامة التي هي وحدها حمت الحكم في تركيا اليوم.
لكنّ الخوف الدائم هو أن تأخذ فورة الحواس الشعبوية بالمؤسسات الديموقراطية وبالتالي إطلاق حملات التطهير السياسي، بحجة الحفاظ على الديموقراطية.
فالواضح من خلال التصريحات والإتهامات الجاهزة “للخارج”، والحديث عن الحنين إلى حكم الإعدام، وشيطنة جماعة “عبد الله غولن” من دون دلائل ذات مصداقية، واستهداف القضاء، وهو سلطة مستقلة نظرياً، كلها لا تبشر بالخير بأنّ الرئيس التركي لن يتحوّل إلى سلطان مطلق الصلاحية، ولو بصورة موقتة، ليتمكّن خلالها من التخلّص من منافسيه، ومن إزعاج التعددية المرجعية في السياسة.
من هنا فإنّ تصريحات دول عدة دانت الإنقلاب، كانت حذرة بخصوص احتمال ضرب المؤسسات الديموقراطية المستقلّة على خلفية “استئصال الخونة أو الإرهابيين” ودمجهم جميعاً في إطار الإنقلاب.
من التاريخ:
عندما استلم أدولف هتلر الحكم من خلال انتخابات ديموقراطية في ألمانيا عام ١٩٣٣، كان أرنست روم قائداً وملهماً لقوات “العاصفة” النازية، ولكنه كان منافساً جدّياً للفوهرر على زعامة الحزب، وربما كان أكثر تطرّفاً منه.
عام ١٩٣٤ استفاد هتلر من احتجاجات شعبية على تصرفات أفراد “العاصفة”، فأمر بإعدم روم رفيق دربه، ومعه المئات من المتهمين بالتآمر، وحلّ ذراع النازية العسكري، ودانت له السيطرة الكاملة على البلاد والبقية معروفة حين تحوّل هتلر بعد وفاة الرئيس الوقور “فون هندنبرغ” إلى ديكتاتور مطلق الصلاحية بتفويض شعبي كامل.