حَفِلَ الأسبوع اللبناني منذ الإثنين بعصفوريّة كلام بلغ حدّاً غير مسبوق من جنون الاتهامات، وبكلّ أسف أقول لا يستحقّ شباب القاع الذين تصدّوا وجهاً لوجه للإرهابييّن الذين استهدفوا لبنان والقاع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قيل الكثير من الكلام العنصري ضدّ اللاجئين السورييّن وهو كلام غير مقبول على المستوى الإنساني، ونحن نُدرك أنّ هذا الكلام خرج في لحظات انفلت فيها ضبط النّفس من عقاله، وهو لم يتجاوز أن يكون كلاماً مشحوناً بالغضب ليس إلا…
وفي مقابل هذا الكلام الغاضب انطلقت حملة تحت عنوان «لا للعنصريّة»، وهذا أمرٌ ضروري وصحّي ومطلوب، لكن ما ليس مقبولاً تحت عنوان «لا للعنصريّة» أن يُتّهم اللبنانييّن بدعم بشّار الأسد وأنهم سبب في مصيبة السورييّن، هذا كلام يقال لحزب الله فقط فهو الطرف الوحيد المتورّط في الدّماء السوريّة، هذا أولاً، وثانياً يدفع اللبنانيّون أثماناً باهظة تكاد تدمّر كيانهم ودولتهم بسبب اختطاف حزب الله للقرار اللبناني وبسبب تفلّت سلاحه في المنطقة كلّها وليس في لبنان فحسب…
ومن غير المقبول أن يقال للبناني إنّ السوري عمّر له بيته لذا عليه أن يُغادر بيته بسبب موقفه من قنبلة اللجوء السوري الموقوته، هنا نفتح قوسين لنقول: لبنان استقبل العمالة السوريّة التي لا مكان لها في سوريا، وأنّهم قبضوا مقابل عملهم، وأنّ النظام السوري وحكامه منذ عقود أربعة هدم بيوت اللبنانييّن ومدنهم وقراهم مئات المرات واضطهدهم واختطف أبناءهم وزجّهم في المعتقلات، ونفّذ بحقّهم مجازر ما زالت مقابرها الجماعيّة مجهولة المكان، ونودّ أن نذكّر هؤلاء أن الكثير من تجمعات السورييّن يتخفّى فيها إرهابيّون وخارجون على القانون، على الأقل ما يزال مخيّم عرسال شاهداً على قتل وذبح الجنود اللبنانيّين واختطافهم، من غير المقبول جلد الشعب اللبناني تحت عنوان «لا للعنصريّة»، نعم في لبنان أزمة كبرى اسمها اللاجئون السوريّون وهنا نودّ تذكير الغاضبين الرّافضين للعنصريّة بجرائم الاغتصاب والقتل الشنيع التي تعرّض لها لبنانيّون كثر على أيدي سورييّن، ونظرة على الحوادث الأمنية تكشف أن وجود هؤلاء رفع نسبة الجريمة والسرقات إلى مستوى غير مسبوق في لبنان!!
ومن الكلام الذي لا بُدّ أن يقال، هذه الحملة على السلاح الفردي الخفيف الذي ظهر في أيدي شباب القاع واتهامه بالأمن الذاتي غير مقبولة، هذا السلاح دافع عن لبنان، وفي وقت شاهدنا فيه قبل أيام قليلة الرشاشات تُلعلع ابتهاجاً بنتائج شهادة البريفيه، أو تتسبّب بسقوط القتلى والجرحى ابتهاجاً بإطلالة الأمين العام لحزب الله، أو يهدّد السيّاح العرب بالخطف من قبل الذراع العسكري لآل المقداد، أو يستهدف الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة لأنها ألقت القبض على تاجر مخدّرات!!
بكل وضوح، وشفافيّة، إنّ الحديث عن الأمن الذاتي هو أكذوبة، وإنّ سلاح شباب القاع استهدف لسببيْن فقط، الأوّل لأنهم بغالبيّتهم من المؤيدين للقوات اللبنانيّة، وفي هذا الأمر تجلّت «مسخرة» استهداف للقوات اللبنانيّة في استفادة من لحظة دمويّة لبنانيّة، وقد تجلّى هذا النوع من الغمز واللّمز في حديث الوزير رشيد درباس وإشادته بما أسماه موقف العميد المتقاعد شامل روكز، في لحظة كان يُفترض به الإشادة بموقف قائد الجيش العماد جان قهوجي، والسبب الثاني لاستهداف سلاح شباب القاع، وهنا نقولها بصدق شديد، هو لأنّ حامل هذا السلاح مسيحي، مع أنّ هذا السلاح لم يتجاوز حدود الحفاظ على القاع ولم نسمع أنه استخدم في اشتباكات محليّة بين عائلتيْن، كما السلاح في الليلكي والاشتباكات بين آل حجولا وآل زعيتر، أو في حيّ الشراونة في بعلبك، أو في أزقّة مخيّم عين الحلوة أو برج البراجنة، ولا في إطلاق النار على القوى الأمنيّة في الزعيتريّة من قبل تجار المخدرات!!
أسوأ ما كشفته الأيام الماضية هو المزايدة السياسيّة على القاع وشبابها في لحظة واجه فيها رجالها الإرهاب والإرهابيّين باللحم الحيّ، أمّا من يُريد أن يستعيد ذاكرة الحرب اللبنانية واتهام البندقيّة المسيحيّة بالأمن الذّاتي، فنحيله على ترسانة سلاح المنظمات الفلسطينية التي استباحت لبنان كلّه، وأنه لولا هذه البندقيّة لما كان هناك اليوم لبنان ولا ما يتناشته هؤلاء السّاسة من صفقات على حساب بندقيّة ودماء دافعت عن لبنان في وقت كان سواها يقبض من الميليشيات الفلسطينية ومأكله ومشربه وراتبه وسلاحه يأتي من أموال ياسر عرفات ومعمّر القذافي ومن النّهب المنظّم للنظام السوري لقوت وخيرات لبنان وشعبه!!