Site icon IMLebanon

عن «حفلة زجل» رئاسية.. ورسائل التشكيك

على قاعدة أنّ الاستحقاق اللبناني لا يزال مجرد «حفلة زجل» يتحدى خلالها أبطاله وناخبوه المحليون في إطلاق المواقف الرنانة وزرك بعضهم البعض في زوايا المزايدات، بانتظار أن يتحرك الكبار بحثاً عن إخراج لائق يمسح الغبار عن الكرسي المخملي… رمى ميشال عون «حدفته» الأخيرة.

يدرك الرجل، كما غيره، أنّ الانتخابات خرجت من أيدي اللبنانيين، وأنّ سياسة التذاكي المحلية لن توصل إلى أي نتيجة، إذا لم تكن مقرونة بتقاطع إقليمي بين أهل الحل والربط، يضع حداً لزمن الشغور الرئاسي، ويأتي بخَلَفٍ لميشال سليمان. ولهذا يجاري أترابه في لعبة الطروحات والطروحات المضادة، ما دام الجميع متواطئ في لعبة تعبئة الوقت الضائع، ليس أكثر.

حتى ليل الأربعاء، كانت التهمة تلبس الجنرال من رأسه حتى أخمص قدميه. هو معطل الرئاسة والسدّ المنيع أمام حصولها بفعل مقاطعته مع حليفه الأصفر للجلسات الانتخابية، التي بلغت حتى الآن الرقم 15. ولم تنفع كل الحجج والحيثيات السياسية والفذلكات اللغوية التي صفّها العونيون أمام خصومهم، في إنزال أصابع الاتهام، إلى أنّ توجه إليهم ميشال عون بالمباشر. نازلوه بلغة التحدي، فردّ عليهم بالمثل: فلننزل سوياً إلى المجلس، شرط أن يكون التصويت محصوراً بيني وبين سمير جعجع. لا مكان لثالث قد يخرج من قبعة مخفية، أو لبزّة بيضاء تحاك من تحت طاولة. إما «الجنرال» وإما «الحكيم».

في الشكل، لم يخرج رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» عن مضمون الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في بكركي بين القادة الموارنة، كما يسرد عونيون، ويقضي بانتخاب رئيس مسيحي قوي. قوي بتمثيله الشعبي طبعاً، وليس بعضلاته.

هكذا تصير المنافسة مشروعة بين ميشال عون المتفق عليه من جانب فريقه السياسي كونه المرشّح الوحيد لقوى «8 آذار»، وبين سمير جعجع الذي يقول فريقه السياسي أيضاً أنه مرشحه في السراء والضراء، إلى أن تحل نعمة التوافق. ولهذا من الضروري حصر «مباراة الأصوات» بهما لوحدهما، عملاً بمدأ انتخاب «القوي».

في المضمون، تقصّد رئيس «التيار الوطني الحر» توجيه أكثر من رسالة في كل الاتجاهات، لا تستثني أحداً، بمعنى أن الحلفاء أولى بالمعروف، قبل الخصوم، مفادها الأساسي أنّه بهذه الآلية سيمنع المياه من أن تجري من تحت قدميه، وبالتالي سيحول دون أي اتفاق قد يحصل من وراء ظهره، فيما لو خطرت الفكرة على رأس أحدهم. وهي.. ربّما تخطر.

حتى اللحظة، لا تزال الشكوك تلعب في عبّ العونيين، وفق تأكيدهم. القلق يتآكلهم خوفاً من جراء حصول اتفاق ما بعيداً عن متناولهم قد يسحب البساط من تحت قدمَي الجنرال، ويُفرض عليه بصيغة: نجّنا من الأعظم واعطنا موافقتك. فتكون النتيجة تسوية على طريقة اتفاق «الدوحة» الذي أخرج الرجل من الحلبة في ليلة لا قمر فيها.

الخوف من حصول السيناريو ذاته يجتاح أذهان هؤلاء. ومع أنّ «حزب الله» قدّم كل البراهين والقرائن التي تثبت بالصوت والصورة أن شريك «تفاهم مار مخايل» لن يعرّج بمفرده على اتفاق ينتج رئيساً تسووياً، إلا أنّ بعض الشك لا يزال قائماً في مكان ما. المطلوب بنظرهم ترجمة القول بالفعل، والعمل على إيصال الجنرال إلى بعبدا وليس الاكتفاء فقط بالدعم العلني.

لعل أداء وليد جنبلاط هو أكثر ما يثير الريبة لدى البرتقاليين، وهو القادر على حسم المعركة لمصلحة الماروني الذي يريده رئيساً للجمهورية، وبالتالي إنّ اعتماد أسلوب المماطلة هو الذي يدفع برئيس «تكتل التغيير والإصلاح» إلى زرك كل من حوله، من حلفاء وخصوم، في الذهاب إلى الجلسة الانتخابية بأوراق محضّرة سلفاً، إما تضم اسمه أو اسم خصمه.

ثمة من يعتقد من الفريق البرتقالي، أنّ موقف «البيك الدرزي» قد يكون مجرد شماعة يعلّق الجميع عليها حججه، لتأجيل الانتخابات ومنع انتخاب عون رئيساً.. بانتظار كلمة سرّ خارجية.

بالنسبة للعونيين، هم يعطلون انتخاب رئيس ضعيف ولا يعطلون الرئاسة، وسبق لهم أن ناقشوا هذه الفكرة مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، وطالبوه بدعم في هذا الطرح: حصر التصويت بمرشحَيْن اثنين. وهذا ما قد يعزز فرص الفوز، لأنه سيدفع بعض كارهي رئيس «القوات» إلى التصويت لمصلحة رئيس «التيار الوطني الحر»، على قاعدة «تصويت النكاية».. ليس أكثر.